مأمون فندي
رئاسة الخارجية: التوريث وأول اختبار للثورة في مصر
بعد تعيين نبيل العربي أمينا عاما للجامعة العربية، أصبح موضوع وزير خارجية مصر المقبل هو الاختبار الحقيقي للثورة المصرية، إذ وضعها في مواجهة مع الملف الشائك الذي حركها، وهو ملف التوريث. يريد المصريون أن يعرفوا كيف يتم اختيار وزير خارجية مصر، وهل طريقة الاختيار المبنية على المكافأة ستختلف بعد الثورة أم ستبقى كما هي.
اختيار وزير خارجية مصر سيحسم الأمر بالنسبة لنا عما إذا كان المصريون قد اقتنعوا بأنهم قد حلوا مشكلة التوريث بإقصاء جمال مبارك عن المشهد، أم أن لديهم الجرأة على الحديث عن التوريث بشكل عام، في كل مؤسسات الدولة، ولا laquo;نقفل على الموضوع عند جمال مبارك ونسيب الباقي لأنهم أقاربنا نحنraquo;؟ ومع أن هذه النقطة ليست كل موضوع اليوم، فإن من يتولى رئاسة الخارجية المصرية بعد نبيل العربي سيكون محط اهتمام المصريين جميعا، وذلك لأن الخارجية بتركيبتها الحالية تبدو وكأنها تقع في مرمى نيران الثورة. فأول أهداف الثورة كان القضاء على فكرة توريث جمال مبارك حكم مصر وتحويل مصر إلى إقطاعية. أدعي أن ملف التوريث كان من المحركات، بل المحرضات الأساسية للثورة. وكانت جماعة laquo;كفايةraquo; بقيادة جورج إسحاق وعبد الحليم قنديل، اللذين دفعا ثمنا باهظا في مواجهة هذا الملف الحساس، هي من طليعة من وقفوا ضد التوريث. ولكن أين جورج إسحاق اليوم، وأين قنديل؟ مسكينان، ركنا على الرف، لأن زعماء جددا ظهروا بعد laquo;الهناraquo; بسنة، وركبوا الثورة، وأنزلوا الباقين.
فإذا كان ملف توريث جمال مبارك للحكم هو محرك الثورة، وإذا كانت الخارجية المصرية في الوعي الشعبي هي مؤسسة التوريث بامتياز؛ فكيف سيتعامل الثوار مع وزير الخارجية المقبل؟! أدعي أن وزير الخارجية المقبل سيكون هو ترمومتر اختبار نجاح الثورة، فشلها، فإذا تم اختيار وزير من أبناء الوزراء والسفراء السابقين ممن كانوا على قائمة التوريث في عهد مبارك، فمعنى ذلك أن الثورة فشلت في تحقيق أول أهدافها، وهو القضاء على ظاهرة التوريث.
الخارجية المصرية في الوعي الشعبي هي نادي علية القوم، ولا بد لهذا النادي المغلق أن ينفتح على أبناء الشعب بعد الثورة. مهم أن يعرف غير المصريين، أن الإنسان العادي في مصر يهاب حتى التقدم لإعلان لوظيفة في الخارجية المصرية، على الرغم من أن الإعلان مكتوب بوضوح وفي كل الصحف؛ أن الخارجية تبحث عن كفاءات. لا يتقدم أحد من عامة الشعب، لأن ما هو معروف وراسخ في الوعي الشعبي عن الخارجية المصرية هي أنها نادي أولاد السفراء والوزراء ورجال الأعمال. هناك بالطبع من المتهورين من المصريين من تقدموا ونجحوا، ولكنهم كوتا قليلة، على الأقل هذا هو الانطباع العام في مصر. مؤسسة التوريث بامتياز اليوم أمام اختبار مواجهة مع الثورة، والثورة ستكون في اختبار مع نفسها ومع اتساق مبادئها. فهل سيعين القائمون على الحكم في مصر وزيرا للخارجية من أبناء الوزراء والسفراء، أم أنه سيبحث خارج النادي المغلق؟
في تقديري أن المصريين استطاعوا القضاء على التوريث البعيد جدا عنهم، المتمثل في شخص جمال مبارك، ولأن جمال كان بعيدا وليس منهم كان من السهل استهدافه والقضاء على فرصه في الوراثة، أما التوريث القريب، فظني أن المصريين لا يستطيعون التعامل معه إلا انتقائيا، أي أن تمسك حالة أو حالتين وتصلبهما علنا في الإعلام ويقفل الملف.
كان المصريون غاضبين من فكرة التوريث في حالة جمال مبارك، أما إذا سألت أحدهم وقلت له ما رأيك في أقاربك الذين يرثون وظائف أستاذ جامعة ليس بالكفاءة وإنما بالتوريث، أو ما رأيك في تعيين أبناء القضاة قضاة، بالتوريث، أو أبناء ضباط الشرطة ضباط شرطة بالتوريث أيضا؟ يأتيك الرد: laquo;معلش دا توريث صغير، ومش مهم، ولاَّ أقولك، خلي الناس تعيشraquo;. فجأة ينقلب الحديث الجاد عن الفكرة في موضوع جمال مبارك، إلى التخلي عنها تماما عندما يكون الوريث قريبا لنا.
ظني أن هذا يرجع إلى الشخصية المصرية وإلى جغرافيا الحياء الاجتماعي، فالمصري لا يستطيع مواجهة من يعرفه، أو من يسكن إلى جواره، قبل أن يشيطنه تماما أو يكفره، وتلك طبيعة المجتمعات التي يسكن الناس فيها في حوارٍ ضيقة يلتقي بعضهم بعضا كل يوم، فتسيطر عليهم سياسة الحياء. وقد قلت في مقابلة تلفزيونية قبل سقوط مبارك إن الشعب يستطيع إقالة مبارك لفساده، لأنه لا يرى مبارك ولا يعرفه، ولكنه لا يستطيع إقالة وكيل وزارة أو مدير إدارة يعرفه. إنه الحياء المصري. فالمصري هو الإنسان الوحيد الذي لو أراد أن يهينك يقولها وقبلها كلمات مقدمات احترام لا مقدمات إهانة، فتأتي الشتيمة المصرية كالآتي: laquo;لو سمحت حضرتك اطلع برهraquo;. لاحظ لو سمحت وحضرتك، قبل الإهانة. هذه الشخصية لا تستطيع أن تواجه التوريث القريب ضد من حولها، على الرغم من نجاحها في القضاء على التوريث البعيد في حالة جمال مبارك.
أخيرا لا ننسى أن أهم مرشحي رئاسة مصر من الخارجية المصرية؛ عمرو موسى ومحمد البرادعي، يليهما عبد الله الأشعل، لماذا الخارجية؟ هذا موضوع المقال المقبل.
التعليقات