سليمان تقي الدين
تجاوزت أزمة تأليف الحكومة في لبنان الثلاثة أشهر . خلال هذه الفترة جرى تمويه الأسباب التي تعرقل هذا التأليف . كان الإفصاح عن هذه الأسباب سيؤدي إلى أزمة أعمق أو إلى الاعتراف بأزمة النظام السياسي . الأكثرية الجديدة التي كلّفت رئيس الحكومة ليست كلها متفقة على شعار حكومة المواجهة . ما يسمّى الطرف الوسطي يريد حكومة تمثل الأكثرية وتلتزم ببعض توجهاتها، لكنها لا تريد حكومة صدامية مع الطرف الآخر في البلد وما يمثله على الصعيدين الإقليمي والدولي .
انحصر تمثيل السنة برئيس الحكومة المكلف، وانحصر أيضاً التمثيل المسيحي برئيس كتلة التغيير والإصلاح، كما انحصر تمثيل الآخرين أيضاً بأحزاب تحتكر تمثيل جماعاتها . للمرة الأولى صار التمثيل المسيحي محتكراً لطرف سياسي واحد على الصعيد البرلماني، وهو يأخذ نصف الحكومة . هذه السابقة قد تفجّر الصيغة اللبنانية لأن هذا الطرف يبدو أقوى من كل الأطراف ويسيطر على قرارات الحكومة .
أما التمثيل السني فيظهر ضعيفاً وهشّاً لأن لا عصب له في الشارع ولأن رئيس الحكومة لا يستطيع أن يسيطر على القرارات . هكذا تبدو الأزمة التي لا يعلن عنها هي في احتمال سيطرة التحالف الشيعي مع حزب واحد مسيحي على الحكومة، ومن هناك أخذ البلاد إلى الغلبة وإجراء تغييرات في كل مواقع ومرافق السلطة .
عندما كُلّف رئيس الحكومة لم تكن الأجواء الإقليمية على ما هي عليه . كان هناك بعض تواصل في العلاقات السورية السعودية واحتمالات لشكل من التفاهم، ولم يكن المناخ الدولي ضاغطاً على سوريا . تبدلت الأجواء فجأة وحصل توتر في العلاقات العربية والدولية مع سوريا، واندلعت الأزمة في داخل سوريا . لا يستطيع الرئيس المكلف أن يضع رصيده في خانة سوريا وحلفائها، وأن يواجه الطرف الآخر في البلاد في ظل انقسام حاد وعدم حصوله على أكثرية راجحة جداً . كذلك رئيس الجمهورية لا يريد أن يتصرف على أنه اتخذ خياراً لصالح فريق لبناني واحد . وتتمظهر الأزمة في النزاع على الحصص وعلى المواقع وعلى الوزارات لكنها في العمق أزمة نظام يقوم على شرعيات طائفية الأكثرية النيابية الجديدة لا تستطيع تغطيتها كلها .
في السابق جرى التحايل على هذا المأزق عبر نظرية ldquo;التوافقيةrdquo; وحكومات الوحدة الوطنية . فشلت هذه التجربة أمام حدة الانقسام السياسي . لكن حكم ldquo;الأكثريةrdquo; مستحيل في لبنان من دون مضاعفات على العلاقات بين الجماعات الطائفية .
المخرج الذي يقترحه الرئيس المكلف وهو حكومة محايدة لا تقبل به الأكثرية الجديدة لأنها تريد الإمساك بمفاصل الدولة . هذه الأكثرية ليست عندها بدائل حقيقية لا عن الرئيس المكلف ولا تستطيع ربما أن تحافظ على أكثريتها الضعيفة إذا ذهبت في المواجهة حتى النهاية . وما يطيل أمد الأزمة هو انتظار متغيّرات على صعيد الداخل تخفف من غلواء مطالب ldquo;الأكثريةrdquo; وعلى صعيد الخارج تراجع حدة التوترات الإقليمية . لكن التطورات في الجانب الإقليمي والدولي لا توحي بالاسترخاء، بل هي توحي بتصاعد المواجهة خاصة مع تزايد الضغوط على سوريا . مهما كانت نتيجة الحل الأمني الذي اعتمده الحكم في سوريا ضد ما يعتبره انتفاضة مسلحة فإن ldquo;المجتمع الدوليrdquo;، أي خصومه، يضاعفون مطالبهم وضغوطهم، وهم في أدنى تقدير لا يريدون لسوريا أن تكون طرفاً مقرراً في لبنان . حلفاء سوريا في لبنان لا يملكون شرعية الحكم وحدهم خاصة بعد تصاعد الانقسام الطائفي . لذلك قد تطول الأزمة وقد تدفع بعض الأطراف إلى التوتر لكي تضغط من أجل استدراج المساعدة الخارجية على الحل .
هذا الخيار تلوح به بعض أطراف الأكثرية، وقد بدأت الحديث عن سحب الثقة بالرئيس المكلف والضغط على رئيس الجمهورية . لكن هذه الأطراف لا تملك أوراقاً سياسية جديدة تضيفها إلى رصيدها، بل تملك تصعيد الحراك في الشارع . هذه هي اللعبة الخطرة التي تأخذ لبنان إلى فوضى .
لا بديل في لبنان عن تكوين نظام تعددي حقيقي يسمح بأن تتمثل جميع الطوائف بجميع تياراتها . فاحتكار تمثيل الطوائف كما جرى بعد ldquo;اتفاق الدوحةrdquo; أقفل النظام على أزمة دائمة .
التعليقات