حمد الماجد

بعد مضي أكثر من ستة أشهر على بدء الثورات العربية، هل ما زالت أنظمة الحكم الملكية العربية بمنأى عن الثورات؟ عندما طرح هذا السؤال بداية هذا العام، وبعيد سقوط نظامين عربيين عتيدين (التونسي والمصري)، لم تكن الإجابة حينها يسيرة، لأن العالم كله باغته عنصر المفاجأة فيها، فلم يكن من السهل أن تستثنى دولة من رياح التغيير.. لكن بعد مضي نصف السنة وانقشاع بعض غبار هذه الثورات اختلف الوضع، وأصبح المحللون يملكون معطيات جديدة ورؤية لم تكن متوافرة حين اندلاعها نهاية العام الماضي.

يقينا، إن الشعوب في الأنظمة الملكية حين لم تعلن ثورتها على حكوماتها فإن هذا لم يكن خوفا من المواجهة مع الأمن، ولو كان الأمر كذلك لكانت الشعوب العربية التي تحكمها أنظمة قمع ديكتاتورية دموية مثل ليبيا أو وسوريا وحتى مصر أولى بالخوف من المواجهة، ومع ذلك هبت في هذه الدول ثورات شجاعة وبقوة يصعب إخمادها.. إذن فالمحصلة النهائية أن الأنظمة الملكية العربية، ولا نستثني منها أحدا، تحظى على الأقل بالحد الأدنى من رضا شعوبها، مع تفاوت الوضع من ملكية لأخرى، لكن الذي جمعها كلها أن سخطها من انتشار بعض أوجه الفساد لم يصل إلى حد إعلان ثورة شاملة على النظام، ولا تزال تلك الشعوب ترى أنه ليس من مصلحتها أن تستنسخ ثورات عربية تختلف عنها في الظروف والأحوال والأسباب والمسببات.

لقد أدركت شعوب الأنظمة الملكية من أرض الواقع العربي أن الجمهوريات الثورية التي تطبل بشعارات الحرية والديمقراطية والعدل والمساواة ونصرة الفقراء هي التي سامت شعوبها سوء العذاب والذل، وحرمتها من خيرات بلادها، فكان من الطبيعي أن تكون هذه الشعوب أكثر عرضة لعدوى الثورات العربية.. فالشعب الليبي مثلا يختزن قدرا مهولا من الغيظ والغضب ضد نظام القذافي البائس، فكانت الثورة التي تشهدها البلاد حاليا نتيجة منطقية ومحصلة طبيعية.

إن التغطيات التلفزيونية في المدن والبلدات الليبية وحتى السورية لم تفضح الأسلوب الدموي الفظ في التعامل مع المحتجين المطالبين باسترداد حرياتهم وكرامتهم فحسب، بل كشفت فشل الأنظمة الجمهورية الثورية في قيادة التنمية في بلادها.. في ليبيا أظهرت اللقطات المتلفزة الحالة البئيسة للمدن والقرى الليبية: شوارعها، مساكنها، تخطيطها، مستشفياتها، مدارسها، بنيتها التحتية.. حتى بدت وكأنها مدن في بادية تشاد أو النيجر وليست مدنا لدولة تعوم على بحيرات من النفط والمصادر الطبيعية مع عدد من السكان لا يتجاوز بضعة ملايين. أي أن ليبيا تكاد تكون مستنسخة من السعودية في خريطتها الجغرافية والسكانية والقبلية والمناخية ومصادر الدخل.. ثم لاحظ البون الشاسع في الحالة المعيشية والأمنية وكرامة الإنسان بين المواطن الليبي والمواطن السعودي، لندرك لماذا أقدم الأول على الثورة وأحجم الثاني.

قارن بين سوريا الجمهورية والأردن الملكية، سوريا الأكثر سكانا والأفضل سياحيا والمتنوعة جغرافيا والأغنى مائيا، والأردن بمصادر دخله الفقيرة وتضاريسه الخشنة وشريط على البحر لا يتعدى بضع كيلومترات، ثم لاحظ تفوق الثاني في الشأن الصحي والتعليمي والمساكن وتخطيط المدن وأغلب أوجه التنمية، هذا ناهيك عن كرامة الإنسان في الأردن التي لا تقارن بمثيلتها في سوريا.. أليس من المنطقي أن يثور السوري ويحجم الأردني؟

وفي الوقت ذاته، فإن الخطورة تكمن في استكانة الأنظمة الملكية إلى هذه المقارنة بينها وبين الأنظمة الديكتاتورية القمعية، فهذا من شأنه أن يؤدي إلى تآكل المنجزات والتراجع إلى الوراء.. والوضع الصحيح أن تجعل الثورات العربية حافزا لها لتقديم إصلاحات واسعة وشاملة، فهذا هو العنصر الأساسي للبقاء والاستقرار والاستمرار.