إياد أبو شقرا


laquo;خطاب الرئيس أوباما كان مائدة سياسية مفتوحة.. يستطيع أي شخص أن ينتقي منها ما يضعه في طبقهraquo;.

(آلون بينكاس، قنصل إسرائيل العام السابق في نيويورك)


قد يصدق على بنيامين نتنياهو أي وصف من الأوصاف السلبية، لكن الغباء ليس منها بكل تأكيد. ومع هذا، سبق رئيس حكومة اليمين الإسرائيلي حتى حركة حماس، برفضه القاطع مضمون ما جاء في خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال الأسبوع الماضي.

رفض نتنياهو، ومن يمثل، أي سلام على أرض فلسطين يقوم على الانسحاب من أراضي 4 يونيو (حزيران) 1967 مسألة محسومة ومعروفة. بل إنه وفريقه الحاكم ذهبوا أبعد من ذلك بكثير، على صعيد خلق laquo;واقع احتلاليraquo; على الأرض غير قابل للتفاوض، عبر الاستيطان التوسعي المحموم.

المهم الآن على العرب إدراك نهاية مطاف نتنياهو في منطقة تمور بالأحداث التاريخية وتتفجر كياناتها بالانتفاضات، بعد فترة احتقان طويلة، أسهم فيها أكثر من أي شيء آخر عاملان اثنان:

الأول، تنكر إسرائيل طويلا لإنسانية الفلسطينيين وجيرانها العرب، واعتبارها أنهم لا يستحقون أنظمة حرة وديمقراطية إذا كانت هذه الأنظمة ستهدد مشاريع إسرائيل التوسعية في يوم من الأيام.

والثاني، اقتناع واشنطن بأن مصلحة إسرائيل جزء لا يتجزأ من مصالحها، وبالتالي، يستحيل أن تكون على مسافة واحدة بين إسرائيل أو أي طرف عربي.

منذ حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، التي اندلعت لتبرير تسليم واشنطن كل أوراق الحل والربط في الشرق الأوسط، تنامى نفوذ إيران الخمينية بالتوازي مع بدء رحلة الحالة العربية مع الترهل والعجز. وبمرور العقود من دون إنجاز اختراقات ذات معنى في لب الصراع العربي - الإسرائيلي، وتحديدا، في فلسطين ازداد نفوذ طهران، وتفاقم العجز العربي.

ويمكن القول، إن العجز العربي غدا أوضح للعيان، بعد استيعاب إسرائيل صدمة laquo;الانتفاضة الفلسطينية الأولىraquo; (1987 - 1993)، واستدراجها الفلسطينيين إلى laquo;الانتفاضة الثانيةraquo; عام 2000، بشروطها.

ومع دفع تل أبيب الفلسطينيين المحبطين إلى حيث شاءت لهم أن يكونوا، ونجاحها في معاقبة ياسر عرفات على laquo;اقترافهraquo; سلاما لا تريده هي أصلا، فإنها أسهمت في تسليم زمام المبادرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى حركة حماس وحلفائها الإقليميين.

في لبنان أيضا، بعد إنجاز تحرير الجنوب عام 2000، لقيت مطالبة اللبنانيين بالانسحاب الإسرائيلي من مزارع شبعا وتلال كفر شوبا رفضا مزدوجا من إسرائيل ... وسوريا!

ومجددا، وفرت القيادة الإسرائيلية لحزب الله خير مبرر للإبقاء على سلاحه المقاوم، ومن ثم إغرائه بالتحول إلى سلاح مانع لنشوء دولة حقيقية في لبنان خارج سياق الصفقات الإقليمية المعقودة فوق رؤوس أبنائه.

وبالنتيجة، وبعد استحواذ إيران على النفوذ الفعلي الأكبر في العراق، وتأكد مفاعيل العلاقة الاستراتيجية بين طهران ودمشق، تحول قطاع غزة تحت سلطة حماس ولبنان تحت الحكم الفعلي لحزب الله، إلى جزءين من منظومة طهران في شرق المتوسط. وهذا من دون أن ننسى طموحات طهران في منطقة شبه الجزيرة العربية والخليج.

بالأمس، كان النائب الكويتي المعمم حسين القلاف يخطب في الكويت خلال ندوة تضامنية مع laquo;سوريا بشار الأسدraquo; ضد المعترضين على قمعه أبناء الشعب السوري بحجة أنهم يسيرون في ركاب خطة laquo;أميركية - صهيونيةraquo;. وفي الوقت نفسه تقريبا، كان جوناثان أولترمان، مدير شؤون الشرق في مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية في واشنطن، يقول كلاما مهما جدا يناقض في جوهره كل ما يقوله الإعلام الحكومي السوري في laquo;تلقينهraquo; للشارع عن laquo;استهداف سورياraquo; لمواقفها الممانعة والملتزمة بمقاومة إسرائيل.

أولترمان قال في تمييزه بين الوضعين في سوريا وليبيا إن laquo;جيران سوريا، ومن بينهم إسرائيل والأردن ولبنان والعراق وتركيا، يريدون أن يشهدوا تطورا وليس ثورة (في دمشق)، بينما لدى جيران ليبيا رغبة عارمة في أن يرحل معمر القذافيraquo;.

واضح أن أولترمان لا يخشى أي تهديد من النظام السوري لإسرائيل. ثم إنه لم يتطرق إلى ثمن التطور أو التغيير. ومن يعرف أي شيء عن السياسة الأميركية، فإنه يفهم أنها سياسة قوة كبرى تقوم أولا على المصلحة، وثانيا على التكلفة. والقصد هنا أن لا نظام في العالم يمكن أن يضمن بقاءه إلى ما لا نهاية. ولا وجود لمصلحة أميركية دائمة في بقاء نظام أو حكم ما في أي مكان من العالم، بل إن القضية هي ما إذا كانت تكلفة بقاء هذا النظام أو الحكم مقبولة لواشنطن أم لا.

اختلاف طبيعة تعامل واشنطن - حتى الآن - مع حالات مصر وليبيا وسوريا واليمن، لا يمكن تحليله بمعزل عن هذه الحقيقة. ويبدو أن واشنطن وجدت أن تكلفة التخلص من حكم حسني مبارك في مصر أقل من تكلفة إزاحة حكم الأسد في سوريا.

حتى هذه النقطة، كلام أولترمان صحيح. غير أنه لا يعود صحيحا عندما يقول إن كل الدول المحيطة بسوريا - والمفيد أنه ذكر إسرائيل بالاسم - لا تريد ثورة بل تطورا.

بداية، ثمة تفاوت كبير في الأوزان السياسية لـlaquo;جيرانraquo; سوريا في دهاليز طبخ السياسات في واشنطن. فرأي إسرائيل في ما قد يحدث لحكم الأسد أهم بكثير من رأي قادة لبنان والعراق، وحتى تركيا والأردن. وبالتالي، إذا قررت إسرائيل أن النظام الحالي في دمشق يخدم حتى الآن مصالحها التكتيكية، وليس بالضرورة الاستراتيجية، فإن واشنطن ستظل تدعم بقاءه مهما ارتفع عدد الضحايا من المدنيين السوريين.

من ناحية أخرى، لدى كل من واشنطن وتل أبيب - من واقع تحالفهما العضوي الاستثنائي - نظرة خاصة لطريقة التعامل مع إيران كلاعب إقليمي مؤثر وأساسي، وكقوة لديها من النفوذ ما يكفي لرفع تكلفة التغييرات الإقليمية المنشودة، سواء على خطوط الهدنة مع إسرائيل، أو في دول الخليج، والعراق واليمن، بل حتى أفغانستان.

أما الحقيقة المحبطة للمتفائلين بموقف أميركي حازم لمصلحة laquo;الربيع العربيraquo; - وهذا قبل مؤتمر laquo;إيباكraquo; في واشنطن - فهي أن باراك أوباما يدرك أن لا طاقة له على فرض شيء على بنيامين نتنياهو، مهما صدقت نياته (أي أوباما طبعا) إزاء العرب والمسلمين.

أضف إلى ذلك أن فتح معركة الرئاسة الأميركية وبدء نزول المرشحين الجمهوريين إلى الساحة أطلقا، كالعادة، مزاد التودد والتعهدات لإسرائيل. وهذا يعني أن نتنياهو عندما يراهن على إفشال laquo;الربيع العربيraquo; فهو في وضع جيد، وعندما يراهن على الاستقطاب الطائفي والديني في المنطقة فقد لا يخسر، وعندما يراهن على تنامي دور إيران فقد يكون بصدد التعجيل بصفقة كبرى معها ما كانت يوما مستبعدة.