Eugene Robinson - Washington Post


من الصعب أن نبالغ في تقدير مقتل بن لادن، فعلى المستوى العمليّ والنفسي، يختصر هذا الرجل 'عصر الإرهاب' الذي شهدناه، لا بالنسبة إلى الولايات المتحدة وغيرها من الأهداف التي دمّرها فحسب، بل بالنسبة إلى الإرهابيين الذين حذوا حذوه، وعندما لفظ أنفاسه الأخيرة، انتهت حقبة كاملة!

بعد سنوات عدة، أتوقع أن نسترجع الأحداث الراهنة ونعتبر أن التخلص من أسامة بن لادن غيّر كل شيء، قالأمر يشبه التقييم الذي أطلقه تشيرشل على هزيمة النازيين في معركة العلمين حين قال: 'هذه ليست النهاية، حتى أنها ليست بداية النهاية، لكنها على الأرجح نهاية البداية'.

لا شك أن محاولات الاعتداءات الإرهابية باسم الإسلام الأصولي ستستمرّ، لكنها ستفشل في معظمها كونها ستكون من تنفيذ أشخاص هواة، كما حصل في الخطة المزعومة التي تم الكشف عنها يوم الخميس، حين حاول مجاهدان محليان مبتدئانndash; أصبحا الآن في عهدة شرطة مدينة نيويورك- تفجير كنيس يهودي، لكن من المؤسف أننا سنشهد أيضاً اعتداءات من تنفيذ إرهابيين محترفين، وقد ينجح بعضها.

ومع ذلك، من الصعب أن نبالغ في تقدير مقتل بن لادن، فعلى المستوى العمليّ والنفسي، يختصر هذا الرجل 'عصر الإرهاب' الذي شهدناه، لا بالنسبة إلى الولايات المتحدة وغيرها من الأهداف التي دمّرها فحسب، بل بالنسبة إلى الإرهابيين الذين حذوا حذوه، وعندما لفظ أنفاسه الأخيرة، انتهت حقبة كاملة!

كلما تعمّقنا في حياة بن لادن في أثناء وجوده في مخبئه في باكستان، اتضح لنا أنه كان لا يزال الشخصية المحورية التي لا يمكن الاستغناء عنها في مجال الإرهاب الدولي، حتى بعد اختفائه عن الأنظار.

لقد أمضى عرّاب الجهاد الوحيد خريف حياته وهو يعيش على أمجاد الماضي، فكان يعيد مشاهدة الفيديوهات المسجلة عن انتصاراته السابقة، كأي نجم سينمائي يتقدم في السن، وكان مهووساً بالتخطيط لتفجيرات مدهشة جديدة ضد الولايات المتحدة والغرب،

ووفقاً لبعض التقارير المنشورة، تشير ملفات الكمبيوتر والمذكرات المكتوبة بخط اليد التي وجدتها القوات خلال عملية المداهمة، إلى أن بعض توجيهات بن لادن أثارت استياء قادة 'القاعدة' الشباب والحيويين والعمليين. فقد كانوا يفكرون منطقياً بأن محاولة تنفيذ اعتداءات تشبه أو تتفوق على أحداث 11 سبتمبر 2001 كانت مضيعة للوقت، نظراً إلى وجود أهداف أسهل وأقرب إليهم.

لكنّ ما يثير الاهتمام هو أن مختلف الفروع، مثل 'القاعدة' في شبه الجزيرة العربية، مقرها اليمن، كانت تعير انتباهاً شديداً لتوصيات بن لادن حتى لو كانت لا توافق عليها جميعاً، فكان على الرغم من عزلته، لا يزال قادراً على التواصل مع أتباعه، من خلال عملائه حصراً، فبقي الزعيم الأوحد الذي يُلهم الحركة الجهادية.

لا أحد يستطيع مضاهاة جاذبيته، ولا أحد سيضاهي الأسطورة التي صنعها: فهو حارب السوفيات في أفغانستان وبقي حياً لسرد الأحداث، ووجّه ضربة غير مسبوقة ضد الولايات المتحدة في صميم أكبر مدينة فيها، ثم هرب كالشبح بعد أن طوّقته القوات الأميركية في تورا بورا، ونجح في الهروب من جنود وجواسيس أبرز قوة عظمى في العالم طوال عقد من الزمن، وساهمت الأسطورة القائلة إنه شخص لا يُقهَر في تجنيد أعداد إضافية ضمن صفوف 'القاعدة' ومنحت المقاتلين المخضرمين سبباً للصمود.

بعد رحيله الآن، لا شك أن المنظمة الإرهابية التي سيتركها وراءه ستحوّل تركيزها التكتيكي، لكن الأهم من ذلك هو أن 'القاعدة' أصبحت الآن من دون الزعيم الذي أسسها ومرشدها الروحي؛ لقد تبين أنه لم يكن محمياً من أعدائه بطريقة مشددة، وأظن أن موت الأسطورة سيكون مهماً بقدر موت الزعيم نفسه.

بالنسبة إلى الأميركيين، يُعتبر مقتل بن لادن شكلاً من أشكال التحرر، فهو، في اعتداءات 11 سبتمبر، لم يكتفِ بقتل آلاف الناس، الذين كان ذنبهم الوحيد أنهم قصدوا عملهم، أو تفجير الطائرات، أو الظهور للتفاعل مع الكوارث الحاصلة، بل أخذ بن لادن أيضاً 300 مليون رهينة، أي بقية الشعب الأميركي.

كما أنه أخذ سياستنا الخارجية رهينة له، فتسبّب بشن حربين، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، واستولى بذلك على نسبة هائلة من الميزانية الفيدرالية، ودفع قادتنا إلى زيادة عدد الجنود إلى أقصى حد، وكان مصدر الإلهام أو العذر الذي برر توسيع نفوذ الحكومة لتتدخل بحياتنا الشخصية، لقد غيّرنا لدرجة أننا صرنا نشتبه بوجود قنبلة عند رؤيتنا أي حقيبة.

لا يزال التهديد الإرهابي حاضراً في حياتنا، لكنّ الرجل الذي كان يجسّد ذلك التهديد لم يعد موجوداً، ويمكننا التفكير بوضوح أكبر الآن بشأن مهمتنا في أفغانستان وعلاقتنا بباكستان، وبشأن الصراع القائم بين الحرية والأمن، وبكيفية التفريق بين المخاوف المنطقية والمخاوف الخيالية.

لن يحدث أي تغيير في طريقة تفكيرنا بين ليلة وضحاها، فالأمر سيستلزم بعض الوقت كي نعتاد على التحرر النفسي المستجدّ، لكن لا داعي للقلق، فلدينا متّسع من الوقت، والأمر المؤكد الوحيد هو أنّ بن لادن لن يعود مطلقاً!