خيرالله خيرالله

هدأت في صنعاء ام لم تهدأ. ليست تلك المسألة. ما حصل قد حصل، ذلك انه بوصول المعارك الى داخل العاصمة اليمنية ومحيطها المباشر، دخلت الازمة التي تعاني منها افقر الدول العربية مرحلة جديدة في غاية الخطورة تفرض البحث عن مخرج ما في اسرع وقت ممكن تفاديا لحرب اهلية ليس معروفا متى يمكن ان تنتهي، لكنها ستهدد بكل تأكيد وحدة البلد ومستقبله. ليس معروفا حتى كيف سيقسم اليمن وهل سيتحول الى صومال اخرى.
قبل كل شيء، تعكس الاشتباكات التي تدور داخل العاصمة اليمنية عمق الخلاف داخل قبيلة حاشد نفسها التي ينتمي اليها الرئيس علي عبدالله صالح. انتقلت الازمة الى داخل القبيلة. للمرة الاولى منذ وصول علي عبدالله صالح الى السلطة في العام 1978، يحصل صدام مباشر بين quot;الرئيسquot; وquot;الشيخquot;، اي بين رئيس الجمهورية وشيخ مشائخ حاشد الذي هو حاليا الشيخ صادق الاحمر الذي يتمتع في المرحلة الراهنة بدعم اخوته التسعة بعدما كان هؤلاء الى ما قبل فترة قصيرة موزعين بين معارض شرس لعلي عبدالله صالح مثل الشيخ حميد او مساير له وحتى متحالف معه مثل الشيخ صادق نفسه والشيخين حمير وحسين وغيرهم. والشيخ حمير كان الى ما قبل مرحلة قصيرة نائبا لرئيس مجلس النواب اليمني الذي كان والده رئيسه حتى يوم وفاته.
خلف صادق الاحمر اواخر العام 2007 والده الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر الذي كان رجلا استثنائيا بكل المقاييس. كان الشيخ عبدالله رئيسا لمجلس النواب بصفة كونه quot;شخصية وطنيةquot; وليس زعيما للمعارضة الممثلة بالحزب الاسلامي الاكبر في البلد وهو quot;التجمع اليمني للاصلاحquot; ذو التركيبة المعقدة. كان quot;الاصلاحquot; يضم الاخوان المسلمين وقبليين وسلفيين في الوقت ذاته. لكن الشخصية الاهم فيه كانت الشيخ عبدالله نفسه الذي يروي في مذكراته ان الرئيس اليمني نفسه دفع في اتجاه تشكيل هذا الحزب بهدف ايجاد توازن مع الحزب الاشتراكي اليمني!
كان هناك اطار عام لا يتجاوزه لا quot;الرئيسquot; ولا quot;الشيخquot; من منطلق المحافظة على وحدة القبيلة من جهة وعلى مصالح مشتركة وتوازنات معينة على الصعيدين الداخلي والاقليمي من جهة اخرى.
في النهاية، كانت حاشد بفضل الشيخ عبدالله القبيلة الاقوى في اليمن، علما انها ليست القبيلة الاكبر، وذلك بسبب تماسكها وشخصية quot;الشيخquot; نفسه وشبكة العلاقات الخارجية التي اقامها والتي كانت توفّر له دعما كبيرا في الوقت ذاته. كان الشيخ عبدالله يدرك، على الرغم من التجاذبات التي كانت تتعرض لها العلاقة بينه وبين علي عبدالله صالح بين الحين والآخر ان ثمة حدودا لا يمكن تخطيها نظرا الى ان مثل هذا التجاوز يلحق الضرر بوحدة حاشد والمصالح المشتركة. ما يؤكد ذلك، سلسلة المواقف التي اتخذها الشيخ عبدالله ابان حرب الانفصال في العام 1994 وبعدها. ابان تلك الحرب، كان زعيم حاشد الى جانب علي عبدالله صالح. قاتل الى جانبه بحماسة، خلافا لما توقعه كثيرون، بما في ذلك قوى اقليمية دعمت الانفصال بقوة وراهنت عليه. وبعدما وضعت الحرب اوزارها صيف العام 1994 اثر معارك استمرت ما يزيد على شهرين، استطاع الشيخ عبدالله ملء الفراغ الذي خلفه انهيار الحزب الاشتراكي الذي كان الشريك الآخر في الوحدة. اكثر من ذلك، كان الشيخ عبدالله اكثر تشددا من الرئيس اليمني في مواقفه من quot;الانفصاليينquot; وزعمائهم وذلك من منطلق اسلامي الى حدّ كبير وقبلي الى حدّ ما في ضوء ثارات قديمة بين شيوخ اليمن والحزب الاشتراكي الذي كان يحكم دولة الجنوب حتى العام 1990. في تلك المرحلة، فضل الشيخ عبدالله اعطاء الاولوية للعلاقة بالرئيس. قدّم العلاقة على اي اعتبارات اخرى، بما في ذلك علاقاته الاقليمية التي احتاجت الى بضع سنوات لتعود الى ما كانت عليه قبل حرب 1994.
يمكن الحديث الآن عن معطيات جديدة في اليمن. لا تصبّ في الضرورة في مصلحة الرئيس علي عبدالله صالح بمقدار ما انها تعني ان البلد مقبل على مرحلة مختلفة لا وجود فيها لتحالف في العمق بين quot;الشيخquot; وquot;الرئيسquot;. هذه المعادلة التي تحكمت بالتوازنات الداخلية منذ العام 1978 لم تعد قائمة. يمكن حتى الحديث عن انشقاقات داخل الفرع الذي ينتمي اليه الرئيس في حاشد، اي سنحان، وذلك بعد اعلان اللواء علي محسن الاحمر الانضمام الى المطالبين بخروج علي عبدالله صالح من السلطة قبل انتهاء ولايته.
هناك خلط للاوراق في اليمن. ضعف علي عبدالله صالح كثيرا ولكن لا تزال لديه اوراقه التي لا يمكن الاستهانة بها، خصوصا في صنعاء والمناطق المحيطة بها. لكن الاكيد ايضا انه على الرغم من ان عائلة الفقيد الكبير الشيخ عبدالله الاحمر تبدو حاليا موحدة، الا ان الثابت ان احدى الركائز التي قامت عليها السلطة، وهي العلاقة بين quot;الشيخquot; وquot;الرئيسquot; منذ العام 1978 لم تعد موجودة.
ما الذي تخبئه الاسابيع القليلة المقبلة في اليمن؟ الاكيد ان اليمن الذي عرفناه لم يعد قائما. ربما كان السؤال الاهمّ هل تكون هناك حرب اهلية ام لا؟ هل يمكن ابقاء البلد موحّدا بطريقة ما؟ هل من شخصية قادرة على لعب دور على صعيد ادارة المرحلة الانتقالية التي يبدو البلد مقبلا عليها في مرحلة ما... ام ان التجربة الصومالية ستتكرر في هذا البلد المهم استراتيجيا؟