محمد السمّاك
هل ينجح أسلوب القصف الجوي في حسم المعركة العسكرية في ليبيا؟
هناك سوابق تحمل إجابات إيجابية، وهناك على العكس من ذلك سوابق تحمل إجابات سلبية.
من السوابق الإيجابية حرب الأيام الستة التي شنتها اسرائيل على مصر في عام 1967. إذ أدى العدوان الجوي الى ليّ ذراع سلاح الطيران المصري وشله تماماً.
ومنها ايضاً حرب رمضان 1973 التي شنتها مصر وسوريا على اسرائيل، اذ تمكن القصف الجوي المصري من شل القوات الاسرائيلية في سيناء، وتالياً من تمكين القوات المصرية من عبور قناة السويس الى الشاطئ الشرقي.
ومن هذه السوابق كذلك القصف الجوي الاسرائيلي لمفاعل تموز النووي قرب بغداد في عام 1981 والذي قضى على المشروع النووي العراقي. وقد قامت اسرائيل بالعملية ذاتها ضد سوريا في عام 2007 أيضاً.
ولكن من ابرز وأهم هذه السوابق القصف الأميركي لليابان في عام 1945 عندما أسقطت طائرتان أميركيتان من نوع ب 29 قنبلتين نوويتين على كل من هيروشيما وناكازاغي أدتا الى مقتل 75 ألف ياباني. كما ان سلاح الجو الأميركي قام بقصف 63 مدينة يابانية اخرى بما فيها طوكيو ودمرها على آخرها. حتى ان الجنرال كورتيس لي ماي قائد سلاح الجو الأميركي اثناء الحرب شكا من انه لم تعد لديه أهداف يابانية للقصف بعد أن تم تدمير البنية الصناعية لليابان. وقد نجح هذا النوع من القصف في قبول اليابان شروط الاستسلام وانهاء الحرب.
أما السوابق التي أدت الى نتائج سلبية فعديدة أيضاً، لعل من ابرزها القصف الأميركي على فيتنام الشمالية. فرغم ان حجم القصف بموجب عملية quot;الرعد المتدفقquot; كما أطلق عليها وزير الدفاع الأميركي في ذلك الوقت روبرت مكنمارا، زاد عن حجم كل ما اسقطته الولايات المتحدة من قنابل اثناء الحرب العالمية الثانية، فان النتيجة كانت هزيمة عسكرية سياسية مذلة للولايات المتحدة. وجسدت تلك الهزيمة عملية الجلاء من السفارة الأميركية في سايغون على متن طوافات عسكرية.
ومن هذه السوابق أيضاً، الحرب الأميركية على كوريا في مطلع الخمسينات من القرن الماضي 1950-1951. فقد دمر القصف الأميركي كل الطرق والجسور وخطوط السكك الحديدية، كما دمر المطارات والمصانع الكورية الشمالية.. الا ان الحرب انتهت بهدنة لا تزال مستمرة حتى الآن. وتحت مظلة هذه الهدنة طورت كوريا الشمالية سلاحها الصاروخي واصبحت دولة نووية.
ومن هذه السوابق كذلك القصف الالماني النازي على بريطانيا وعلى عاصمتها لندن، خلال الحرب العالمية الثانية. فالقصف الذي دمر مواقع عسكرية ومدنية فشل في اثارة الذعر في قلوب البريطانيين وفي ارهاب الدولة البريطانية وفرض تنازلات سياسية عليها.. وانتهت الحرب بهزيمة ادولف هتلر وانتصار غريمه ونستون تشرشل.
وفي مطلع القرن الحالي عرف العالم قبل أحداث ليبيا تجربتين أعطت كل منهما نتائج متناقضة. فالقصف الأميركي على العراق في عام 1991 بعد انسحابه من الكويت لم يتمكن من أن يلوي ذراع الرئيس السابق صدام حسين، الى أن شنت الولايات المتحدة الحرب عليه في عام 2003.
أما القصف الأميركي ( تحت مظلة حلف شمال الأطلسي) لصربيا ولعاصمتها بلغراد في عام 1999 فقد نجح في وقف حملات الإبادة التي كانت القوات الصربية تقوم بها في البوسنة الهرسك تحديداً وضد شعوب البلقان عامة. كما أدت الى استقلال كوسوفا والى انسحاب القوات الصربية منها.
في ضوء كل هذه التجارب بنتائجها الإيجابية والسلبية، أي مصير ينتظر ليبيا بعد أسابيع من تعرض المدن التي تخضع لسيطرة معمر القذافي لقصف سلاح الجو التابع لحلف شمال الأطلسي؟
هل يواجه القذافي مصيراً مماثلاً لمصير ميلوسوفيتش فيستسلم تحت شدة القصف، ومن ثم يحاكم أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي؟ (مات ميلوسوفيتش في المعتقل قبيل صدور الحكم عليه).
لا شك في ان القذافي يتصور نفسه quot;هوشي منهquot; ثان.. وربما تشرشل ثان. ولا شك في ان خصومه من الليبيين في بنغازي يتمنون له مصيراً كمصير هتلر. ويتمنون أن يروه في قفص الاتهام الى جانب الرئيس الليبيري السابق الجنرال تايلور. ومهما يكن من أمر فان القذافي يراهن على قدرته على تجنب ضربات سلاح طيران حلف الأطلسي حتى يصاب الحلف بالإحباط ويضطر الى التراجع تحت ضغط العجز عن تحمل نفقات الحرب الجوية. وكذلك تحت الضغط السياسي الذي تمارسه روسيا والصين.
لقد بلورت هذه التجارب بكل ما فيها من أيجابيات وسلبيات نظرية عسكرية جديدة تقول: ان سلاح الطيران لم يعد قادراً وحده على حسم الحرب على الأرض. أو ان قدرته على ذلك اصبحت بالغة الصعوبة. ورغم ان القذافي لا يملك دفاعاً جوياً، ورغم ان القليل الذي كان يملكه قد تم تدميره، ورغم التفوق اللامحدود لقوات الأطلسي الجوية، فان عجز الحلف عن الحسم العسكري بدأ يلقي بظلاله الثقيلة على معنويات دول الحلف والرأي العام فيها.. ويؤكد في الوقت ذاته النظرية الجديدة.
لقد أدى القصف الأميركي على ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية الى مقتل 350 ألف ألماني.. ولكن هتلر نجا ونجت معه حكومته. وهو لم ينتحر في مخبئه الذي يماثل المخبأ الذي يقيم فيه اليوم القذافي- الا بعد ان اجتاحت القوات السوفياتية ألمانيا من جهة الشرق ووصلت الى برلين، وبعد أن اجتاحت القوات الأميركية ألمانيا وحاصرت عاصمتها من الغرب.
من هنا السؤال: هل يؤدي عدم الحسم بقوة سلاح الطيران الى التحرك الميداني؟ وهل يعطي مجلس الأمن الدولي ضوءاً أخضر بذلك؟ وهل تمتنع روسيا والصين عن استخدام حق النقض ضد قرار من هذا النوع كما فعلت عندما اتخذ المجلس القرار الأول للدفاع عن سلامة المدنيين الليبيين؟.
لا شك في ان القيادة السياسية لحلف الأطلسي التي ضاقت ذرعاً بتأخر الحسم العسكري، تدرك استحالة الحصول على مثل هذا القرار من مجلس الأمن. ولا شك في انها هي نفسها لا ترغب في استصدار قرار من هذا النوع لأنها لا تريد الغوص في رمال ليبيا المتحركة وتعريض جنودها للخطر. ولذلك فانها تطارد القذافي وتحاول اصطياده اعتقاداً منها بأن القضاء عليه كاف وحده لحسم المعركة وفتح صفحة جديدة في التاريخ الليبي الحديث . فإلى متى يستطيع القذافي أن يصمد؟.
التعليقات