سمير عطا الله


نشرت صحيفتا laquo;الأخبارraquo; وlaquo;الجمهوريةraquo; في بيروت عددا مما اتفق على تسميته laquo;وثائق ويكيليكسraquo;. وlaquo;الوثائقraquo; عبارة عن محاضر اجتماعات بين سفراء أميركا وسياسيين لبنانيين، من كل الفئات والطبقات والدرجات المحلية. تحسب laquo;الأخبارraquo; غالبا على فريق laquo;8 آذارraquo;، وتعتبر laquo;الجمهوريةraquo; الحديثة الظهور من صحف laquo;14 آذارraquo;.

الغريب في المحاضر أن أعضاء كل فريق سبوا فريقهم. كل شريك سب شريكه، وكل مزعوم سب زعيمه، وكال له الاتهامات، وشكك في صدقه وفي مسلكه وفي حياته. هذا بالنسبة للنصوص، أما بالنسبة لأصحابها، فلم ينف أحد ما نسب إليه، ربما خوفا من أن يعرض الأميركيون التسجيلات في هذه الحال.

ليست هذه الغرابة، أو laquo;الخصوصيةraquo; اللبنانية الوحيدة؛ فالأكثر مفاجأة أن laquo;الوثائقraquo; لم تؤثر في علاقة أحد بأحد؛ الحلفاء ظلوا على تحالفاتهم، على الرغم من ما صدر عن النفوس والنصوص، وlaquo;الأصدقاءraquo; ظلوا على آرائهم والسب الذي سبوه والاتهامات التي أطلقوها.

لا أعرف ماذا يسمى هذا في علم النفس، على الرغم من تأكدي من أن له اسما ما. وقد يكون طويلا ومعقدا ومركبا كما هي حال المصطلحات التي يوقعنا بها أهل البسيكولوجيا والأبيستمولوجيا. لكن ما حدث هو أن كل من جلس إلى العدو الأميركي تراخى واسترخى وكرر مالا يريد أن يعرف، وما لم يكن يعرف أنه يريد أن يعرف. وهذا ليس لعبا على الكلام ومحبة في السجع، بل هو واقع الحال في سياسات الرجال: laquo;ألف قلبة ولا غلبةraquo;.

وأحداث العالم العربي لا تعلمنا فقط دروسا في الرقي البشري وفي حب الحاكم لشعبه العظيم، بل هي تعطي الآن دروسا في اللغة. فالسجع ليس فقط في اللغة. أو بالأحرى، إذا كان السجع للغة، فالسجعات وآثارها التعذيب والضرب والقتل. laquo;آثار سجعاتraquo; في المعتقلين عند دفنهم، تعني آثار laquo;تحقيقraquo;. ويبدأ laquo;التحقيقraquo; عادة بالدعوة إلى laquo;فنجان قهوةraquo; أو laquo;فنجان شايraquo;، أو laquo;تخزينةraquo;. وكل من يعود حيا إلى أولاده وأهله يقرأ لهم الشعار اللطيف المكتوب على باب المخفر: laquo;الداخل مفقود والخارج مولودraquo;.