سلطان عبدالرحمن العثيم

منذ الحادي عشر من سبتمبر الشهير، الذي أصبح بفعل التكثيف الإعلامي والتركيز السياسي أهم حدث ربما خلال السنوات العشر الماضية على الأقل، وحوله تدور وتتمحور الكثير من الأحداث والأعمال والأفكار والخطط.
نعم إنه حصان طروادة الجديد لاختراق الصفوف واستغلال الشعوب واستنزاف ثرواتها وتغيير قناعتها لصالح المشروع الجديد (الشرق الأوسط الجديد). وبه ومن خلاله أعلنت الحرب العالمية على العمل الإسلامي والدعوي والخيري والطلابي، وأصبح الإسلاميون هم الهدف الأول لهذه الحملة من التصفية والتضييق وتشويه الصورة وتنفير الناس في عدد من الأقطار والأمصار، وكان هذا المشروع العالمي العابر للقارات ذا أذرعة مختلفة منها العسكري ومنها الإعلامي والتعليمي والفكري ومنها المالي والاقتصادي والسياسي.
فبعد وقوع الحدث، بدأت الوفود تذهب وتعود، والتصاريح تجلجل هنا وهناك، أن هناك ثلة من المتطرفين يجب القضاء عليهم، فهم خطر محدق على العالم كافة، وعليه فلا مناص من تصفيتهم وتخليص الناس من شرورهم فيما سمي اصطلاحا -قبل أكثر من تسع سنوات- بالحرب على الإرهاب.
التقط الكثير هنا وهناك هذه الموجة، وركبها بعض الساسة والإعلاميين والمثقفين وبعض جماعات المصالح والتيارات الفكرية المناوئة للمشروع الإسلامي، وبدأت الدندنة على هذه النغمة، وأصبحت تصور بعض الأخطاء الشخصية أو التجاوزات الشاذة التي لا تشكل قاعدة على أنها هي الأصل.
وتحت غطاء مشروع القضاء على التطرف والإرهاب وأسلحة الدمار الشامل، احتُلت أفغانستان ثم العراق، وحوصرت غزة وصنفت حماس كمنظمة إرهابية، وقتل مئات الآلاف وشرد الملايين، وتم على إثر تلك الموجة اعتقال الآلاف من شباب العالم الإسلامي، منهم أكثر من 50 ألفا في الخليج واليمن، وهم ذاتهم من غذي لديهم يوما من الأيام الفكر الجهادي ودعموا في أفغانستان في الثمانينيات عندما كان المشروع يخدم الأجندة الأميركية ضد السوفييت في أفغانستان، وبعد ذلك تمت تصفيتهم بعد أن سقط الدب الروسي وتراجع خطره وتهديده!!
إنها أحجار على رقع شطرنج تحرَّك هنا وهناك حسب المصالح السياسية والأطماع الاستعمارية الجديدة في السيطرة على المنطقة وإعادة تقسيمها، وهو مشروع لطالما حدثت الحكومات الغربية نفسها به بعد انجلاء مرحلة الاستعمار الأول في منتصف القرن الماضي.
وأؤكد هنا أنني لا أنفي وجود عناصر متطرفة ومتشددة جانبها الصواب والتوسط هنا وهناك، ولكنها محدودة وليست بهذه الضخامة والتهويل الذي تصور به، ناهيك من أن طريقة التعاطي السلبي معها قد يؤججها ويوسع دائرتها وتأثيرها، مثل ممارسة الكبت والتضييق والمحاصرة والتهميش والإهانة والاعتقال لفترات زمنية مفتوحة بلا محاكمة أو إعطاء أي حقوق، وهي وسائل تزيد الطين بلة في هذا الباب ولا تعالجه على الإطلاق.
لقد أصبح سلاح التطرف والإرهاب والتشدد سلاحا لتصفية الخصوم والمعارضين والأحرار والمستقلين والمناوئين للمشروع الأميركي والصهيوني في المنطقة هنا وهناك، فمن لم يأت بالترغيب أتى بالترهيب وكان له الويل والثبور وعظائم الأمور.
كل ذلك وأكثر ليركع الجميع ويذعنوا ويقدموا السمع والطاعة لهذا المشروع الخطير، الذي لا يزال يعتبر هذه المنطقة الدجاجة التي تبيض له الذهب، وعليه فلا بد من استغلال أحداث الحادي عشر من سبتمبر من أجل الوصول إلى أقصى فائدة وأعظم حصة من الكعكة، لاسيما أن هناك من يشكك بهذا الأمر من الأميركيين ذاتهم، ويعتقدون أن هناك أسرارا سوف تكشف عن هذه الأحداث ومدبريها، وأن العالم على مشارف أسرار لم تذكر ولم تبيّن، وعليه فهناك تسارع في الخطوات لاستغلال الحدث واستثماره سياسيا وعسكريا واقتصاديا في فرض النفوذ والوصاية أكثر فأكثر.
ولكن المتبصر بالربيع العربي الجديد، حيث الثورات الشعبية التصحيحية التي بدأت تنهي مرحلة الاستعمار الثاني الذي حكم فيه الغرب جزءا كبيرا من المنطقة ومقدراتها، عبر أطراف وشخصيات موالية له وتابعة لتوجهاته، تنفذ له ما يريد متى أراد، بدون استخدام الجيش أو العسكر أو احتلال البلدان من جديد، وهذا ما اتضح في نماذج الرؤساء السابقين لتونس ومصر ونماذج على وشك أن يكشف ستارها مثل ليبيا واليمن وسوريا، حيث غيبت الشعوب وهمشت، وعاث هؤلاء في الأرض فسادا فأهلكوا الحرث والنسل وما أبقوا لمواطنيهم دنيا ولا ديناً!! حيث كانت الأمور تدار بشمولية شديدة بعيدة عن مصالح الشعوب وطموحاتها، بل حسب المصالح الشخصية والأهواء الضيقة، وتحولت الشعوب من شريكة إلى تابعة ومن الحرية إلى العبودية، تذوق القهر والظلم والفقر والذل، وتتجرع المتاعب والمشاكل والمعاناة كل يوم.
هذا المتبصر يرى كيف ركبت الأنظمة المنهارة موجة اتهام الإسلاميين، واستخدامهم كفزاعة بأسلوب مبتذل وركيك، يكشف لنا عن إفلاس وانهيار بنية تلك الأنظمة، وكان الهدف من ركوب الموجة هو إرسال رسائل لدول المركز وقيادات الغرب بأن الإسلاميين قادمون، وأنتم على الخيار بيننا وبين المشروع الإسلامي في المنطقة الذي تعاونا معكم لتحييده وتحجيمه والتضييق عليه والتشويش على أهدافه ومنطلقاته، ومحاصرة أركانه ورموزه طوال السنوات السابقة، فتارة يسمى المتظاهرون وجموع الثوار من الشعوب الساخطة بـ laquo;السلفيينraquo;، وتارة laquo;تنظيم القاعدةraquo; وأخرى بـ laquo;الإخوان المسلمينraquo; وتارة جماعات مسلحة تريد أن تقيم إمارة إسلامية، وغيرها من الخرافات التي يقصد منها قتل هذه الصحوات والانتفاضات الشعبية في مهدها، واستجلاب القوى الغربية لقمعها، ولكن القيادات الغربية لن تراهن على فرس خاسر ليس له مصداقية أو شعبية انتهت صلاحيته كما تنتهي صلاحية أي عميل مستأجر.
ولن تدخل تلك القيادات الغربية في خصومة مباشرة مع أكثر من 300 مليون عربي تؤثر على مصالحها في المنطقة من أجل عدد من الأشخاص استخدموا فترة من الزمن لأغراض معينة ولفظتهم شعوبهم وسحقتهم، وعليه فبالحساب الاستراتيجي فضلت هذه القوى البقاء جانبا وعدم التدخل؛ للأثر السلبي على مستقبل العلاقات ومن ثم مستقبل المصالح.
ولكي نكون أكثر دقة في حديثنا، فلقد كشفت دراسة حديثة أجراها مكتب الشرطة الأوروبية (يوروبول) حول الإرهاب في الاتحاد الأوروبي عن بطلان الادعاء السائد على نطاق واسع بأن الإرهاب مرتبط بالإسلام، وأن جميع المسلمين إرهابيين، إذ أفادت بأن %99.6 من المتورطين في هذه الأعمال الإرهابية هم من الجماعات المسلحة اليسارية والانفصالية المتطرفة، وليس للمسلمين أي علاقة بها!!
وهذه الدراسة التي أجراها الاتحاد الأوروبي تكشف المسرحية الهزلية التي -بكل أسف- صدّقها بعض المسلمين، وعمل بها وشارك بها من حيث يعلم أو لا يعلم بكل ما أوتى من قوة على حرب العمل الإسلامي بجميع قواه وتفريعاته ومنتجاته الفكرية والاجتماعية والإعلامية والسياسية والاقتصادية والإنسانية. وهو ما يجعلنا نسأل: لماذا تخلت أميركا عن حلفائها في مصر وتونس واليمن وليبيا؟ وهل ما زلنا نعتقد أن رضا البيت الأبيض هو الضمانة للبقاء والاستمرار والاستقرار لهذه المنطقة من العالم؟!!
إن العمار والاستقرار والازدهار للعالم العربي والإسلامي في تقوى الله في الشعوب، وحسن العمل، وتفعيل الشورى والديمقراطية الحقيقية، والعدالة الاجتماعية والقضائية، وعدالة توزيع الثروة الوطنية والحرية والكرامة والمساواة، وتفعيل الرقابة والقضاء على الفساد المستشري والظلم المستفحل والمحاصصة والاحتكار، والحرص التام على البناء والنهضة والتنمية المستدامة التي ترفع الأوطان وتعز المواطنين وتقوي ثقتهم بقياداتهم، ناهيك من تقوية الجبهة الداخلية وتلاحمها وتكوين تحالفات استراتيجية هامة تخدم المشروع النهضوي للوطن والأمة، وليست تحالفات تعمل لحماية الأنظمة من نقمة الشعوب حيث أثبتت التجربة أن الشعب إذا قال أريد فهو يفعل ما يريد بتوفيق الله وقوته.