فاخر السلطان



هناك من ضيّع مشيته الفكرية في تركيزه على الدفاع عن شأن الحريات دون احترام حقوق الإنسان

نحن نحتاج إلى تبني موقف واضح تجاه مفاهيم الحداثة بعيداً عن أي تأثيرات سياسية مسبقة

قال لي بنبرة علمانية ليبرالية يشوبها التوهان الفكري: لقد مارسوا مسؤولياتهم تجاه الغوغاء.قلت له: واذا ما ضربوا الليبراليين أثناء تجمع سياسي أو ثقافي آخر، فهل يمارسون مسؤولياتهم أيضا، أم ان هناك تمييزاً في الضرب أيضا؟ ذلك كان جزءا من حوار جرى بيني وبين أحد الأصدقاء العلمانيين الليبراليين الذين أيدوا ما جرى ضد جمهور المواطنين وبعض النواب في ندوة الصليبيخات حينما هاجمتهم القوات الخاصة، مبررا ضربهم بأنه يهدف الى تطبيق القانون ووضع حد لممارسات الغوغاء.
في تقديري، فان ما عبّر عنه هذا الصديق يمثّل الفوضى واللاموقف من أسس الحرية والتعددية واحترام حقوق الإنسان في بلد نسعى خلاله الى تعزيز النظام الديموقراطي.
فعلى الرغم من ان مواقف أغلب النواب الذين تعرضوا للضرب، تجاه قضية الحريات، سيئة وتناهض أبسط قواعد حرية الرأي والتعبير، وعلى الرغم من ان هؤلاء هم من ساهم في عرقلة دخول المفكر المصري الراحل نصر حامد أبوزيد الى البلاد بعد تلقيه دعوة من مركز الحوار للثقافة (تنوير) الذي أنتمي اليه، لكني لا أستطيع الا ان أكون أول من يدافع عن حق هؤلاء النواب في التعبير عن آرائهم واحترام حقوقهم الإنسانية حتى لو اختلفوا معي في الرؤى تجاه مفاهيم يقف عليها كل نظام ديموقراطي حقيقي بل تعتمد عليها الحياة الحديثة، كالحريات والتعددية واحترام حقوق الإنسان، استنادا الى أوليّة هذه المفاهيم في قاموس الصراع الفكري نحو الحداثة.
لقد أثبتت تجربة أحداث ندوة الصليبيخات ان هناك قصورا لدى الكثير من العلمانيين الليبراليين في فهم معنى ومحتوى هذه المفاهيم.كما ان هناك فرقاً بين ان يكون الرأي - أي رأي - محترما أو يكون غير محترم، وبين حق الإنسان في ان يقول رأيه غير المحترم من دون ان يتعرض للمنع ولانتهاك حقوقه.فحينما منع الإسلاميون دخول أبوزيد الى الكويت كان ذلك بسبب أنهم اعتبروا رأيه غير محترم وlaquo;جريمةraquo; في حق الدين، في حين ان منطق المنع وعدم احترام حقوق الإنسان كان متشابها في الواقعتين.
ثم، هل الدول العلمانية الليبرالية الحرة تتعامل مع حاملي هذا النوع من الفكر بهذه الطريقة؟ ألا يجب ان نتعلم منها كيفية منحها الحقوق واحترامها الإنسان ودفاعها عن الحريات؟ ألا يجب ان نتعلم من فلاسفة الحداثة والتنوير، الذين زرعوا بذور العلمانية والليبرالية ووضعوا أسس التعايش وطرق الاختلاف مع الآخر، أفكارهم بشأن التعايش ونصائحهم في هذا الاتجاه؟ للأسف فان مبدأ laquo;لا حرية لأعداء الحريةraquo; بات هو المسيطر على تفكير الكثير من الأصدقاء العلمانيين الليبراليين، الذين باتوا laquo;يقننونraquo; القمع تحت مبرر تحقيق الأمن وتنفيذ القانون ومواجهة ما يسمى بالغوغائيين.وأحداث الصليبيخات تؤكد الى أي حد نحن بحاجة الى ترسيخ الثقافة الإنسانية في المجتمع بدلا من laquo;الهرولةraquo; وراء المواقف السياسة المخلوطة بالمصالح الضيقة.فنحن نحتاج الى تبني موقف واضح تجاه مفاهيم الحداثة بعيدا عن أي تأثيرات سياسية مسبّقة، لا ان نضيّع بوصلة المبدأ ثم تنطلي علينا ألاعيب السياسة.
لذلك، علينا الدفاع عن المبادئ قبل المواقف والأشخاص، وأن لا تضيع المبادئ بين الطرق الملتوية للسياسة أو ان توسّخها الرؤى المسبقة.ومن ثَمّ، يجب ان يكون الدفاع عن المفاهيم الإنسانية الحديثة مطلقا ومثاليا.
ان أي تأكيد على القانون ولو من خلال الاستخدام المفرط له، انما يحقق الهدف الأساسي للتيار الديني فيما يتعلق بمفهومه للطاعة، في حين ان الديموقراطية تتعاطى مع قوانين الدستور.فهل بعض الأصدقاء العلمانيين الليبراليين يريدون قوانين من دون ديموقراطية، بمعنى هل يريدون قوانين ترسّخ هذه المفاهيم؟ وهل يجب الحث على تنفيذ القوانين حتى لو كانت في الضد من مساعي جعل الكويت بلدا ديموقراطيا؟ فهناك من يضيّع مشيته الفكرية، ثم السياسية، في تركيزه فحسب على الدفاع عن شأن الحريات دون تركيزه على احترام حقوق الإنسان، وهي اشارة الى النواب الذين تعرضوا للضرب في أحداث الصليبيخات بوصفهم أعداء الحريات.فهما - الحقوق والحريات - وجهان لعملة واحدة، ولا يمكن للعلماني الليبرالي ان يكون حساسا فحسب تجاه موضوع الحريات فيما يقبل ان تهان حقوق الإنسان وتداس كرامته.
لذلك، فان تأييد بعض العلمانيين الليبراليين ضرب النواب والمواطنين والتعدي على القانون تحت مبرر تطبيق القانون وتحقيق الأمن، يضعهم في مصاف القامعين، لأنهم فضلوا انتهاك حقوق الإنسان على احترامه بمبرر ان الجانب الآخر، أي الإسلاميين، لا يحترمون الحريات.فاذا كان الالتزام بالقانون هو في حد ذاته هدفا دون أي ربط بينه وبين الدستور ودون أي تفاعل مع ما جاء في مواده من حث على الحرية والتعددية واحترام حقوق الإنسان، اذن ما تقوم به بعض الحكومات من قمع شعوبها بحجة حفظ الأمن والنظام يجب ان يكون مبررا أيضا.
اننا في النهاية نريد للديموقراطية في الكويت ان تتطور، وأن تنجح في احداث تحولات تنموية تجاه الإنسان الكويتي.وفي تقديري ان تنفيذ القانون بالصورة التي تنتهك من خلالها قوانين أخرى، لا يصب في النهاية في صالح تطوير الديموقراطية ولا يخدم احترام النظام الديموقراطي، انما يصب في صالح تعزيز ثقافة، تكون نتائجها في غير صالح الديموقراطية حتى لو رآها البعض بأنها دستورية.لذلك، يبرز على السطح مفهوم laquo;التضحية في الدستور مقابل تحقيق الأمنraquo;.
للأسف، فان الضحية في كل ما يجري الآن هي الأسس التي يقف عليها كل نظام ديموقراطي حقيقي.فالديموقراطية لا تتقدم ولا تتطور من دون احترام مبادئها وتفعيل أسسها، وهي بالطبع ستتأخر اذا تم تبني ثقافة الخضوع والخنوع تحت مبرر المحافظة على الأمن.فالضرورة في تطبيق القوانين يجب ان تنبع من ضروة ان تخدم الديموقراطية لا ان تعادي الديموقراطية.فالديموقراطية لابد ان تقوم على أسسها الرئيسية، حتى لو كان الدفاع عن هذا الإنسان هو من نوع الدفاع عن حريات وحقوق النواب الإسلاميين المعادين للحريات.فالعلماني الليبرالي لا يمكن بأي حال من الأحوال ان يقبل - مثلا - بوجود سجن غوانتانامو، حتى لو كانت ادارة السجن بيد راعية الحريات في العالم الولايات المتحدة الأمريكية.
ان الأسس التي يقف عليها النظام الديموقراطي في الكويت مكبلة، ومن كبلها هو التيارات الدينية والحكومة معا، ولابد من تحريرها بالدفاع عنها حتى لو كان الذي يقف في وجه المدفع هم أفراد ينتمون الى التيار الديني.لذلك، لا يمكن الاستنتاج في أي عملية تحرير للأسس، اشارة الى الدفاع عن أجندة التيار الديني، بل هي دعوة الى الدفاع عن حقه في الحديث وحقه في احترام كرامته وفق ما جاء في الدستور.
فاخر السلطان