وحيد عبد المجيد

عندما نعى quot;تنظيم القاعدةquot; في 6 مايو الماضي بن لادن، بدا أن هذا التنظيم قد يُدفن مع زعيمه. فقد عزز مقتل بن لادن الاعتقاد بأن رياح التغيير السلمي التي هبت على بعض البلاد العربية هي بداية نهاية quot;القاعدةquot;. وكان الهتاف الذي صار مشهوراً quot;سلمية... سلميةquot; في ميادين وشوارع هذه البلاد دليلاً لا يخطئ على أن الغالبية الساحقة من شباب العرب لا يربطهم رابط بإرهاب quot;القاعدةquot;.

ويظل هذا الاعتقاد صائباً رغم اتهام مصادر رسمية يمينية quot;القاعدةquot; بالمسؤولية عن قصف المقر الرئاسي الجمعة الماضي، وكذلك ما تواتر عن سيطرتها على زنجبار عاصمة محافظة أبين قبل ذلك بأيام وإعلانها quot;إمارة إسلاميةquot;، فيما تجددت هجماتها في العراق المهدد بإعادة إطلاق التوتر الذهبي.

ولا تعارض، في الواقع، بين توقع انحسار quot;القاعدةquot; وما يحدث في اليمن والعراق، لأن هذا الانحسار الذي بدأت معالمه تتضح سيكون تدريجياً، لكنه قد لا يستغرق وقتاً طويلا. غير أن هذا الوقت لا يقاس بالأسابيع، خصوصاً في وجود بنية أساسية لـquot;القاعدةquot; في بعض المناطق العربية لاسيما في اليمن حيث توطنت quot;قاعدة الجهاد في جزيرة العربquot; بعد هزيمتها في السعودية، وكذلك في العراق حيث تستغل quot;قاعدة الجهاد في بلاد الرافدينquot; عجز السياسيين عن توافق لا غنى عنه للتعافي.

وحين يصل هذا العجز إلى حد عدم إمكان تعيين وزراء للحقائب الأمنية في حكومة شُكلت منذ عام، لابد أن تحافظ quot;القاعدةquot; على بعض قدراتها وخصوصاً بعد ذبول quot;الربيع العراقيquot; الذي بدا في فبراير الماضي أنه قادم عبر سلسلة من التظاهرات المطلبية تزامنت مع الاحتجاجات التي حدثت في تونس ومصر واليمن وليبيا، قبل أن تمتد إلى سوريا.

كما أن استيلاء quot;القاعدةquot; على زنجبار جاء في لحظة كان quot;الربيع اليمنيquot; مهدداً فيها بحرب أهلية مصغرة تحمل في طياتها رياحاً معاكسة لتلك التي تدفع إلى توقع انحسار الإرهاب. وهذا بافتراض أنها هي التي قصفت مقر الرئاسة فعلاً، وأن سيطرتها على زنجبار تعبر عن ميزان القوى الحقيقي على الأرض وليس عن تهاون الحكومة رغبة في تحذير الغرب من أن تغيير النظام يضر quot;الحرب ضد الإرهابquot; وفق ما يعتقده بعض المراقبين. لذلك ستكون اليمن، حين يحدث التغيير فيها، اختباراً كاشفاً قد يجوز تعميم نتائجه في هذا المجال.

غير أنه حتى إذا كان استيلاء quot;القاعدةquot; على زنجبار دليلاً على قوتها، وأنها هي التي قصفت مقر الرئاسة، فلا يعني ذلك أكثر من أنها تستطيع المحافظة على قدرتها القتالية في عدد محدود من المناطق لفترة قد لا تطول. فقد بدأ الوهج الذي تميزت به رسالتها العنفية في الخفوت بسبب التحول إلى أجواء تسودها ثقافة التغيير السلمي للمرة الأولى في تاريخ العرب الحديث. والمتوقع أن يزداد خفوتها بعد غياب بن لادن الذي مثلت قيادته مصدر إلهام لبعض الشباب حتى حين كان مختبئاً ومحاصراً.

ويصعب على أي تنظيم الاستمرار عندما يفقد رسالته وقيادته في آن معاً، وربما أيضاً سريته التي مكَّنته من أن يكون رقماً في المعادلات الدولية لسنوات. فالمعلومات التي عادت بها القوات الخاصة الأميركية من مقر بن لادن الذي كان حصيناً في أبوت آباد قد تكون أكثر أهمية من جثته التي دُفنت في البحر. فقد استولت هذه القوات على خمسة أجهزة كومبيوتر وعشرة أجهزة تخزين إلكترونية وأكثر من مائة أسطوانة مضغوطة وأشرطة فيديو وآلاف الوثائق والأوراق والملفات. وهذا quot;كنزquot; قد يجعل قيادة quot;القاعدةquot; المركزية في حال شلل لفترة من الزمن بينما تأخذ منظماتها التي توطنت في بعض المناطق، خصوصاً في أفغانستان واليمن والعراق وشمال أفريقيا وغربها في الانحسار.

وشتان بين حال quot;القاعدةquot; في العام الجاري على هذا النحو وما كانت عليه في السنة الماضية التي كانت من أكثر سنواتها انتعاشاً منذ 2001، بمعيار معدل الهجمات الإرهابية، وذلك وفقاً لتقرير وزارة الأمن الوطني الأميركية. وكانت المفارقة في العام الماضي هي أن تحقيق نجاح في ضرب قوى أصولية عنيفة أخرى أدى إلى توفير فرص جديدة لـquot;القاعدةquot; في بعض الحالات. وينطبق ذلك بصفة خاصة على منطقتي قندهار وهلمند، إذ أضعفت الضربات المتلاحقة حركة quot;طالبانquot; التي كانت مسيطرة على هاتين المنطقتين، فحدث فراغ ملأته جماعات تتبع quot;القاعدةquot; تبعية مباشرة.

فقد حققت عمليات quot;الناتوquot; العسكرية بعض النجاح في تمشيط معاقل حركة quot;طالبانquot; ومحيطها في قندهار وهلمند وقتل مئات من قادتها وأعضائها وزعماء محليين موالين لها. غير أن أتباع quot;القاعدةquot; وأنصارها الأكثر تأثرا بنهجها ملؤوا الفراغ الذي نجم عن إضعاف quot;طالبانquot;، وأصبحت العمليات التي تستهدف إمدادات quot;الناتوquot; تحمل بصماتهم.

والحال أن quot;القاعدةquot; ظلت قادرة على التطور والانتشار وليس فقط على تسديد ضربات حتى مطلع العام الجاري رغم عالمية الحرب التي استهدفتها منذ هجمات سبتمبر 2001. لذلك لم يقدّر من تحدثوا عن انحسارها في السنوات الأخيرة دلالة وقوفها في مواجهة هذه الحرب، و بناء عدد من الركائز. فقد ركزوا على اضطرارها للتحول نحو العمليات الصغيرة، واعتبروا ذلك دليل تراجع. وأغفلوا أن هذا تحول تكتيكي، لأنهم لم يربطوه بانتشارها من خلال منظمات محلية ترتبط بها.فمن المغرب العربي إلى اليمن صار لها وجود في جناحي العالم العربي.

وهذا فضلاً عن استخدام quot;القاعدةquot; شبكة quot;الإنترنتquot;، حيث ملأت المواقع الإلكترونية بكل ما تصور قادتها أنه قد يسلب لب شبان يائسين أو غاضبين ويدفعهم صوب الإرهاب دون حاجة إلى تنظيم. وهؤلاء الشبان هم الذين سيقل إقبالهم على فكر quot;القاعدةquot; في الفترة المقبلة بعد أن تغير المشهد في المنطقة وعرفت الشعوب طريقها إلى الشارع للتعبير عن مطالبها، وغاب quot;الرمزquot; الذي أوحى لبعضهم أنه لا سبيل إلى أي تغيير إلا بالعنف. لذلك بات طريق quot;القاعدةquot; إلى تجنيد أعضاء وأنصار جدد لا حياة لها بدونهم أكثر صعوبة وأشد وعورة. وهذا ما يجعل الاعتقاد بأنها دخلت مرحلة العد العكسي صائباً رغم ما قد تحققه هنا أو ضربة تسددها هناك. وربما يسجل التاريخ أنه ما أن حل العام العاشر بعد أكبر ضربة سددتها في قلب quot;العدو البعيدquot; حتى كانت نهايتها اقتربت.