إياد الدليمي

منذ أن بثت صور تعذيب الطفل السوري حمزة الخطيب ومن بعده صور ثامر محمد الشرعي، والكثيرون يتساءلون عن تلك القدرة التي امتلكها هؤلاء الجلادون في التعدي على النفس البشرية بهذا الشكل البشع، والذي إن دل على شيء فإنما يدل على مدى الحقد والكراهية في نفس فاعلها، بل لعل أحد أصدق التعبيرات عن هذه الحالة ما وصفه أحد المعلقين على صور التعذيب في سوريا، بأن لا صحة لانقراض الوحوش.
منذ أن شاهدت صور التعذيب الذي تعرض له الشهيد الطفل حمزة الخطيب ومن بعده ثامر الشرعي، وأنا أستعرض أمثالا لها كانت قد جرت في العراق إبان مرحلة القتل الطائفي التي اجتاحت البلاد عقب تفجيرات مرقد سامراء في العام 2006، نفس الدموية والوحشية، نفس الحقد والكراهية، ذات المنهج في التعذيب، وكأن الفاعلين شربوا من مستنقع حقد واحد.
في العراق اجتاحت وفي غفلة من الزمن، ما عرفت بـ laquo;فرق الموتraquo; وهي عصابات منظمة تتبع الحكومة بطريقة أو بأخرى، تشرف عليها قيادات أحزاب طائفية وشخصيات سياسية، من بينها نواب في البرلمان ووزراء، بالإضافة إلى قيادات ميدانية تمرست على القتل والتعذيب والتنكيل، أغلبها غير متعلمة ولها سوابق في الإجرام.
فرق الموت لم تكن سوى وسيلة استخدمتها القوات الأميركية المحتلة والحكومة العراقية الطائفية من أجل أهداف شتى، فبعد ثلاث سنوات دامية عاشتها القوات الأميركية في العراق، وجدت في هذه الفرق التي شكلت من مجاميع ميليشياتية داخل مؤسسة الجيش والداخلية، ضالتها لضرب عمق المقاومة في بغداد وبقية المدن العراقية، في حين وجدت فيها الحكومة آنذاك فرصتها من أجل تغيير ديموغرافية العاصمة بغداد وتهجير سكانها الأصليين بالإضافة إلى تحجيم المقاومة في العراق.
لعل واحدا من أسوأ أساليب فرق الموت آنذاك: التعذيب والتمثيل بالجثث، فما زالت صور العديد من الأحبة والأصدقاء ماثلة في ذهني، فهنا صورة لأحد الأصدقاء وقد ثقب رأسه بـ laquo;الدريلraquo; الكهربائي، وذاك آخر نشر جسده بمنشار بعد أن قلعت عيناه، وثالث لم يبق من جسده سوى بقايا وجه بعد أن أحرق في حفلة إعدام جماعي مارستها إحدى فرق الموت في منطقة laquo;جميلةraquo; شرق العاصمة بغداد. الحقيقة مرة، وربما أكثر مرارة منها، محاولة إخفائها أو التقليل من بشاعتها، والحقيقة الصارخة، أن فرق الموت التي عاثت في يوم من الأيام بأجساد العراقيين، هي ذاتها التي تمارس هوايتها في القتل والتعذيب والتمثيل بوحشية في جثث معارضيها بسوريا.
في سوريا تقوم الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد وعناصر الشبيحة بعملياتها الإجرامية، وهي فرق خاصة يتم تشكيلها في الغالب من العلويين، وتتلقى تدريبات لا تقتصر على الجانب العسكري، وإنما تدريبات يمكن وصفها بـ laquo;الحقديةraquo; وعمليات غسل دماغ، تزرع في داخل أفرادها الحقد والكره على كل ما هو من خارج تلك الطائفة، بل إنهم يتعلمون أن في ذلك القتل الوحشي تقرب إلى الله. إنها المنهجية ذاتها التي سارت عليها فرق الموت في العراق، التي تلقى جزء منها تدريبات داخل إيران، فعناصرها من طائفة بعينها، والتمثيل والتعذيب أحد الأساليب المعتمدة لمعاقبة الخصوم، وكل ذلك بفعل الحقد والسموم الطائفية التي تزرع في نفوس هؤلاء. والأشرطة التي تسربت من سوريا حول عمليات القتل والتعذيب والتشويه تدل أن الذين يقومون بذلك مدفوعون بحقد طائفي دفين، فلقد حولتهم الطائفية والحقد إلى وحوش، كما كان الحال من قبل مع فرق الموت في العراق، للأسف تلك هي الحقيقة المرة التي ربما يلف ويدور حولها البعض ولا يريد أن يجاهر بها، حتى لا يتهم بالطائفية.
لا يمكن أن أصدق أن الجيش السوري يفعل ذلك، وهو الذي يتألف في معظمه من أبناء المدن السورية كافة من درعا إلى إدلب وإلى دير الزور وحلب وحمص وحماة ودمشق، لا يمكن لجيش أن يتصرف بهذه الوحشية مع شعبه، لذلك دائما ما تسند هذه المهام إلى الفرقة الرابعة، سرايا الدفاع سابقا التي ارتكبت من قبل مجزرة حماه في عام 1982، وأيضا إلى الشبيحة، وهي العناصر الموالية للنظام، التي لا تنضوي تحت جهة أمنية محددة. وبالإضافة إلى هؤلاء هناك الطائفيون من خارج سوريا، وعلى رأسهم حزب الله وعناصر من فيلق القدس الإيراني، وبدعم لوجستي من حكومة المنطقة الخضراء في بغداد.
هكذا هي فرق الموت، وحوش بأجساد بشرية، مليئة بالحقد والكره، مغسولة الدماغ تجاه الآخر، أي آخر يعارضهم ويقف بوجههم، قد تختلف التسميات من هنا إلى هناك ولكن تبقى الأفعال واحدة، أفعال تنم على أن المعركة التي يخوضها الشعب السوري لاسترداد كرامته شرسة، ولكن الشعب يثبت يوما بعد آخر بأنه باق laquo;وأعمار الطغاة قصارraquo;.