يوسف الكويليت

اصطلحنا على تسمية احتلال فلسطين laquo;بالنكبةraquo; وهزيمة ١٩٦٧م laquo;بالنكسةraquo;، وأعطى الزعماء لأنفسهم ألقاب المهيب، والقائد، والزعيم الأوحد، وملك ملوك أفريقيا، والقائد الرمز، وأمير المؤمنين، والرئيس المؤمن إلى آخر القوائم، لكن الألقاب بقيت كصور أصحابها أو تواريخ أفعالهم معلقة على الحيطان، إلى أن أزيلت بفعلٍ ما، ثورة أو انقلاب أو قضاء وقدر..

من تسببوا في هذه الأفعال، ورّثوا لنا أولى القوائم للاجئين الفلسطينيين، وهم الوحيدون الذين كانوا ضحية عمل دولي وضعف عربي، لكنّ توالي الأحداث أدى إلى الهروب الجماعي للملاجئ العالمية بفضل من أعطوا أنفسهم الألقاب وتشريد مواطنيهم بفعل أعوان الاستعمار الخونة، أو المتعاملين مع العدو، أو ضحايا الطائفية والعشائرية والقومية..

فالسودان شرّد الملايين لبلدان فقيرة عجزت عن إعالتهم، فذهبوا ضحايا المجاعات والأوبئة، أو هدفاً للأسلحة، وفي العراق ما يزيد على أربعة ملايين لاجئ أي رُبع الشعب خارج وطنه بدأ ذلك مع الحرب العراقية - الإيرانية، ثم احتلال الكويت، وأخيراً الحرب الأهلية التي أقام جسورها الاحتلال الأمريكي بين الطوائف وغيرها القومية والعشائرية..

ثم جاءت مرحلة الشقاء للشعب السوري الذي أُغلقت أمامه الحدود الأردنية، واللبنانية، وربما العراقية، وبقيت تركيا وحدها من استقبل العوائل، أطفالهم ونساءهم وشيوخهم، والغريب أن البلدان التي شكّلت هجرة مواطنيها أكبر عدد، ظل زعماؤها يعلنون وحدة المجتمع الواحد، وتسمية أنظمتهم بالديمقراطية، وهي أسوأ أنواع الفساد الإداري والتفرقة بين المجتمع الواحد، عندما تُحكم من خلال الحزب القائد، أو الطائفة التي تحتكر قيادات الجيش والأمن العام والسري، وتوزع الوظائف حسب الولاءات وليس الكفاءة، ثم دخلنا مرحلة التوريث لجمهورياتٍ كانت تزعم أن الملَكيات العربية رجعية وعبيد للاستعمار، ولا تملك شرعية وجودها..

الثورات العربية أظهرت مدى انتهاء مراحل سلطة البعد الواحد، وهي قيمة بذاتها إذا استطاعت المحافظة على وحدة الوطن وخاصة ليبيا وسورية، واليمن، وهي البلدان التي تقوم على تنوع مختلف داخل نسيجها الاجتماعي، وهاجس الخوف من أن تخرج الدكتاتوريات ويعود حكم الطوائف، كأمر محتمل، وهذا لا ينزع شرعية الثورات، أو يحوّلها إلى سبب لإدانتها وتلحق الأسباب بها، لأن من قاموا بها جاء فعلهم تحت ضغط لا يحتمل، ورفعوا مطالب مشروعة بالحرية والكرامة وتقاسم المسؤوليات في الحقوق والواجبات..

المرحلة الراهنة، مكسبها الأول أن القيادات لن تكون مّمن يفرض الألقاب ويتخذها ذريعة في الوصاية على شعبه، ومع افتراض أن المتغيرات جاءت بسلبيات حادة، فإن تعذر الإصلاح من حكومات احتكرت السلطة، وغيّبت الدور الشعبي أوجد عوامل الانفجار، بمعنى أن الثورات سرّعت في العملية التي كانت حتماً ستنفجر، وكسرت الوقت في تأجيل حدوثها، ويبقى وعي الشعب هو الخيار الوحيد للتصدي لأي انفلاتٍ أو سرقةٍ لعمل كبير في زمن مظلم..