الصحافة الفرنسية: توازنات إقليمية تعيق الربيع السوري... وحسابات داخلية تربك الانخراط التركي

باريس

خلفيات المواقف الإقليمية والدولية تجاه quot;الربيع السوريquot;، وتحديات انخراط أردوغان في دعم quot;الربيع العربيquot;، وبداية نهاية برلسكوني السياسية، ثلاثة موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية.


الحالة السورية

ضمن ظاهرة الاهتمام الملفت باحتجاجات سوريا، في الصحافة الفرنسية هذه الأيام، نشرت صحيفة لوموند مقالاً للكاتب quot;آلان فراشونquot; تحت عنوان: quot;سوريا: ورقة بشار الأسد الأخيرةquot;، رصد في بدايته خريطة المواقف الإقليمية والدولية مما بات يسمى في التداول الإعلامي quot;الربيع السوريquot;، مشيراً إلى أن أقصى ما أمكن اتخاذه من ضغوط ضد نظام دمشق هو صدور عقوبات من طرف واحد أعلنت عنها الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، أما في مجلس الأمن فيعتقد أن الصين وروسيا تمنعان صدور أية قرارات ضد دمشق. وبالنظر إلى توازنات ورهانات إقليمية ودولية عديدة ينظر إلى الحالة السورية اليوم على أنها تكتسي حساسية خاصة، حيث إن جزءاً كبيراً من مصير المنطقة ومستقبلها يتحدد بحسب ما سيكون عليه الحال في دمشق. وهنا يشير الكاتب إلى التحالف الإقليمي القائم بين دمشق وطهران من جهة، وعلاقته بوجود الأقلية العلوية، التي تمثل 12 في المئة من السكان في سدة الحكم في سوريا، هذا فيما يشكل السنة، نسبة تزيد على نصف عدد السكان البالغ 22 مليوناً. ويمضي الكاتب في تحليله مؤكداً أن تحالف دمشق وطهران مثل على الدوام الآلية التي تطرق هذه الأخيرة من خلالها أبواب العالم العربي، وخاصة فيما يتعلق باستمرار دعمها لحليفها الثاني في العالم العربي وهو quot;حزب اللهquot; الشيعي اللبناني. ومن زواج المصالح هذا الذي يتأسس عليه التحالف بين العاصمتين، تتحقق لكل منهما مكاسب إقليمية محسوسة. واليوم هنالك أكثر من حساب يضعه الفاعلون الدوليون في ضوء احتمالات تصعيد أو احتواء الأزمة السورية. ويرى كثيرون أن البديل عن نظام quot;البعثquot; لو ذهب سيكون وصول الأغلبية السنية إلى سدة الحكم في دمشق، وهو احتمال لو وقع فستكون أولى تبعاته أخذ النظام الجديد مسافة أمان مناسبة من حلفاء النظام الحالي الإقليميين. وعندها سيتغير شكل الشرق الأوسط. ولكن إذا وقع هذا، فلماذا لا يكون مبعث ارتياح لدى الأميركيين والأوروبيين، وحتى في العالم العربي؟ وهي كلها أطراف ما زالت تراهن على سياسة الانتظار المقلق، ربما بسبب المخاوف من رؤية القوة الوحيدة المنظمة في المشهد السياسي السوري البديل، وهي quot;الإخوانquot;، وقد أمسكت بمقاليد الأمور في دمشق، وكأن الخيار هو فقط بين الاضطراب أو الأصوليين السنة، أو هما معاً! وفي هذا المقام يمكن تذكر السابقة العراقية، فقد أدى سقوط نظام حكم الأقلية السنية -يقول الكاتب- سنة 2003 إلى ارتماء البلاد في أتون حرب أهلية استمرت قرابة سبع سنوات. والراهن أن هواجس ومخاوف الحرب الأهلية تلقي بظلالها بقوة الآن على رؤية كثيرين لما يجري في سوريا. وهذا يفسر أيضاً السبب الذي جعل قطاعات من الطبقة الوسطى السنية السورية تدافع عن حزب quot;البعثquot; منذ زمن مديد. وأكثر من هذا تعتقد واشنطن أيضاً أن دخول سوريا الآن في حالة عدم استقرار سيزيد تعقيد عملية انسحابها من العراق. ومن جانبها تفضل إسرائيل أيضاً النظام المستقر على وصول المتطرفين الإسلاميين إلى السلطة في دمشق. وفي الأخير يذهب الكاتب إلى أن تغير النظام في دمشق لا تبدو أية إشارة إليه في الأفق. ولكن لو وقع فسيكون خسارة إقليمية كبيرة لإيران، التي ستعمل على تفاديه بأي ثمن، بما في ذلك احتمال الإيعاز لـquot;حزب اللهquot; بأن يتحرش بإسرائيل، وعندها يمكن أن تندلع حرب إسرائيلية- لبنانية جديدة، وهذه هي الورقة الأخيرة بيد الأسد، يقول الكاتب، حيث سيكون في مقدوره حينها أن يضع على الطاولة خياراً مستحيلاً: إما أنا وإما الاضطراب الإقليمي. وفي افتتاحية لصحيفة ليبراسيون أثنى الكاتب quot;فينسان جيريهquot; على ردود فعل الدبلوماسية الفرنسية على يوميات quot;الربيع العربيquot; بصفة عامة، إلا أن حجم الاستجابة الفرنسية، والغربية، تجاه الحالة السورية خاصة كانت فاترة، مقارنة بالحالة الليبية مثلاً. وهنا علينا أن نتذكر أن ساركوزي كان قد انفتح في بداية عهده على العقيد القذافي والرئيس الأسد. واليوم لا تستطيع باريس أن تقصف طرابلس لحماية المدنيين، وتغمض العينين عن معاناة المحتجين في دمشق. وقد اصطدم مسعاها لاستصدار قرار من مجلس الأمن بانقسام المجتمع الدولي تجاه الملف السوري، على عكس الملف الليبي. أما العالم العربي فيلوذ بالصمت. والدول البازغة لا تبدي هي أيضاً حماساً للمسألة، ولكل منها ملف داخلي لا يريد تدخلات دولية فيه، التبت في الصين، والشيشان في روسيا، وكشمير بالنسبة للهند، وأما البرازيل وجنوب إفريقيا فلا تخفيان عدم ارتياحهما المبدئي للروح التدخلية الجديدة التي تنتاب القوى الغربية.

أردوغان والربيع العربي

اعتبر الكاتب بيير روسلين في افتتاحية صحيفة لوفيغارو أن الربيع العربي يمثل اليوم تحديّاً حقيقيّاً لأردوغان. فبعد فوزه الكاسح في الانتخابات التشريعية التركية الأخيرة سيتعين عليه الالتفات بسرعة إلى الحريق المندلع لدى الجيران في الجنوب، وهي منطقة يعول على حضوره القوي فيها للفت أنظار الأوروبيين إلى فائض القيمة الذي ستضيفه عضوية بلاده في الاتحاد الأوروبي. والحقيقة أن أردوغان، مثل الجميع، أخذه زخم الربيع العربي على حين غرة، ولئن كان أبدى كثيراً من الانخراط مع شبان ميدان التحرير في القاهرة، فمنشأ ذلك، على الأرجح، هو الصلات القائمة بين quot;الإخوانquot; في مصر وحزب العدالة والتنمية في تركيا، زيادة على سوء التفاهم الذي كان قائماً أصلاً بينه وبين مبارك، على خلفية التنافس الإقليمي على الساحة العربية. وفي ليبيا واجه الزعيم التركي مصاعب في البداية قبل أن يتخلى عن صديقه القذافي، لكي يصطف إلى جانب عملية الحلف الأطلسي. أما الحالة السورية فتطرح عليه مشاكل معتبرة. فهذا البلد الجار المباشر، بالنسبة لتركيا، هو بوابتها نحو العالم العربي. وتشترك معه في مواجهة تحديات المسألة الكردية. وأكثر من هذا ترتبط معه باتفاق حرية الحركة دون تأشيرات، وقد تضاعفت تبادلاتها التجارية معه. ولذا فإن تركيا ستخسر كثيراً لو دخلت سوريا في حالة اضطراب، وقد بدأ اللاجئون يتدفقون عليها منذ الآن. ومع هذا فإن حجم العنف الممارس في سوريا دفع أودوغان إلى أخذ مسافة أمان مناسبة من الأسد. كما تمكنت المعارضة السورية من الالتقاء في تركيا. ولكن مع هذا ما زال الحذر هو عنوان الموقف التركي عموماً، تجاه الحالة السورية. ولأن كثيرين اعتبروا تركيا نموذجاً يمكن احتذاؤه لدمقرطة العالم العربي فإن على أنقرة أن تبدي انخراطاً أقوى في دعم الربيع العربي، للدفاع عن مصالحها الخاصة من جهة، ولإقناع الأوروبيين أيضاً بأن لها دوراً حقيقيّاً في الشرق الأوسط، يمكن المراهنة عليه. وهذه الجزئية الأخيرة تحديداً يلتقطها الكاتب فرانسوا سيرجان في افتتاحية لـquot;ليبراسيونquot; مع دعوة صريحة للعواصم الأوروبية لتقدير حجم دور وتأثير أنقرة في الفضاء الشرق أوسطي، ومن ثم تسهيل عملية انضمامها للاتحاد الأوروبي، لكي تكون جسراً وقنطرة تواصل بين الغرب والعالم العربي الإسلامي، وفي الوقت ذاته لمكافأة وتحفيز وسطية النظام التركي نفسه.

برلسكوني: بداية النهاية

رجحت افتتاحية لصحيفة لوفيغارو ألا تمر السنتان المتبقيتان، مبدئياً، لبرلسكوني في ولايته الحالية، على خير، في ضوء الصفعة القوية التي تلقاها من الناخبين الإيطاليين خلال الاستفتاءات الأربعة الأخيرة. وأكثر من هذا فقد مني منذ أسبوعين بهزيمة مدوية في مركز نفوذه التقليدي بمدينة ميلانو، خلال الانتخابات البلدية، التي خسر فيها أيضاً مدينة نابولي. وإذا أضفنا كل هذه الهزائم والصفعات الانتخابية إلى بعضها بعضاً فالأرجح أن نضع أيدينا على حصيلة مؤداها أن بداية النهاية قد أزفت بالنسبة لبرلسكوني البالغ من العمر 74 عاماً. والظاهر أن الإيطاليين قد سئموا من عهد هذا الرجل الذي ظل طيلة ثمان من السنوات العشر الماضية وهو في سدة الحكم، وخاصة بعد اقتحام حياته الخاصة وفضائحه الجنسية مقدمة المشهدين الإعلامي والقضائي. وزاد الطين بلة غياب أية نتائج ملموسة لسياساته الاقتصادية. ومما يزيد تعقيد الأزمة السياسية الإيطالية الراهنة أن المعارضة لا تقدم هي أيضاً بديلاً مقنعاً بدلاً من برلسكوني، الملفوظ شعبيّاً. واليوم بدأ quot;أومبرتو بوسيquot; وquot;رابطة الشمالquot; وبقية حلفاء برلسكوني يستعدون هم أيضاً للقفز من سفنه الجانحة للغرق. والأرجح، وقد وقع هناك ما وقع في إسبانيا، التي تشهد هي أيضاً أفول نجم ثاباتيرو، أن يشهد البلدان انتخابات سابقة لأوانها قريباً. ومن شأن هذا وذاك طبعاً التأثير سلباً على بقية الشركاء الأوروبيين، أقله لجهة تعمق أزمة الثقة التي تعصف بالعملة الأوروبية quot;اليوروquot;، تقول الصحيفة.

إعداد: حسن ولد المختار