أسامة عبد الرحمن

بعد توقف المفاوضات، وانسداد الآفاق أمام انطلاقها، قررت السلطة الفلسطينية تكثيف الجهد الدبلوماسي للحصول على مزيد من الاعتراف بالدولة الفلسطينية . وأعلنت عدد من الدول في أمريكا الجنوبية اعترافها بدولة فلسطينية في حدود الرابع من يونيو/حزيران عام ،1967 وحاولت السلطة الفلسطينية أن تستثمر هذا التوجه أو التعاطف لكسب الاعتراف من دول أخرى . وربما بدا أن مثل هذا التوجه قد يفرض واقعاً جديداً، أو على الأقل ضغطاً قد يكون له أثره في الواقع . ولكن ربما غاب عن الأذهان أن هذا التوجه لا يفرض واقعاً ولا يغير واقعاً . ذلك أن الولايات المتحدة، على وجه الخصوص، تناهض وتناقض وتنقض هذا التوجه . ويبدو وكأن جوهر المعضلة هو عدم اعتراف الولايات المتحدة بهذه الدولة .

ومعروف أن الولايات المتحدة لن تعترف بدولة فلسطينية وفق هذه المرجعية، مع أن أوباما أشار في خطابه الأخير إلى حدود 1967 مع تبادل للأراضي وأخذ متغيرات الواقع في الاعتبار، موضحاً أن ما سيتم الاتفاق عليه ليس بالضرورة حدود ،1967 وكلما أعلنت السلطة الفلسطينية عن فكرة إعلان الدولة سارعت الولايات المتحدة إلى رفض هذا التوجه .

وتجدر الإشارة إلى أن إعلان الدولة الفلسطينية ليس أمراً جديداً أو مستجداً، فقد سبق ومنذ سنوات طويلة أن أعلنت القيادة الفلسطينية قيام الدولة الفلسطينية، واعترف بها عشرات الدول وعلى رأسها الدول العربية، وتمثلت في هذه الدول سفارات لدولة فلسطين إلى جانب مكاتب أو ممثليات لها في دول أخرى . ولكن الولايات المتحدة وقفت موقفاً مناهضاً ومناقضاً لفكرة إعلان الدولة الفلسطينية . وبدا جلياً أنه من غير المجدي اعتراف العشرات من الدول بالدولة الفلسطينية إن وقفت الولايات المتحدة بصفة خاصة موقف الرفض للدولة الفلسطينية المعلنة . وهنا تبرز الولايات المتحدة وكأنها صاحبة الكلمة العليا والقول الفصل، وأنه ما لم يتم إقناعها أو اقتناعها أو انتزاع الاقتناع منها، فإن التوجه يبدو وكأنه حرث في البحر، أو ضرب في السراب ولا يفضي إلى نتيجة على أرض الواقع .

والولايات المتحدة من منطلق دعمها غير المحدود للكيان الصهيوني باعتباره الحليف الاستراتيجي لها، لا تنظر إلى القضية الفلسطينية في أي محور من محاورها، أو أي مفصل من مفاصلها إلا وفق المنظور الصهيوني . وإذا كان الأمر كذلك فإنه من المستحيل أن تقبل الاعتراف بدولة فلسطينية في حدود الرابع من يونيو/حزيران ،1967 والسلطة الفلسطينية تدرك ذلك، وتدرك الموقف الأمريكي المناهض والمناقض للدولة الفلسطينية وفق هذه المرجعية . ومع ذلك فإنها تعلن تكثيفها لجهدها الدبلوماسي لكسب المزيد من الاعتراف بالدولة الفلسطينية من دول شتى في العالم . وربما كان مبعث ذلك انسداد آفاق المفاوضات ومحاولة حشد مزيد من الدعم للقضية الفلسطينية، وأن الاعتراف الكبير بالدولة الفلسطينية من شتى دول العالم قد يمثل ضغطاً معنوياً على الولايات المتحدة فتخفف من غلوائها في المناهضة أو النقض لهذا الاعتراف، أو تستجيب لهذا الاعتراف . مع أنها رفضت مجدداً سعي السلطة الفلسطينية إلى الحصول على اعتراف بدولة فلسطينية من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأعلن أوباما هذا الموقف بصراحة في خطابه الأخير، مؤكداً أنه سيبذل كل الجهد ضد هذا السعي .

ولعل السلطة الفلسطينية حاولت أن تجد منفذاً إلى بعض الدول الغربية التي ربما كان توجهها أكثر تعقلاً تجاه الاعتراف بدولة فلسطينية وفق مرجعية حدود ،1967 ولكن مثل هذا الأمر لن يغير من الوضع كثيراً .

ويظل الاعتراف بالدولة الفلسطينية . . من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة اعترافاً بدولة على الورق، دون آلية فاعلة تفرضها على الأرض، وتعيد الحق إلى أصحابه الشرعيين، وتجعل الدولة دولة حقة تفرض الاعتراف بها .