يوسف النخليل

كثيرون‮ ‬يتحدثون عن ثورة‮ ‬14‮ ‬فبراير،‮ ‬والبعض‮ ‬يطلق عليها انتفاضة‮ ‬14‮ ‬فبراير،‮ ‬وهناك من‮ ‬يسميها احتجاجات،‮ ‬وهناك من‮ ‬يسميها أيضاً‮ ‬بالاضطرابات‮.. ‬وتتعدد المسميّات بلاشك،‮ ‬ولكن السؤال الأهم هل ما حدث وما‮ ‬يحدث في‮ ‬البحرين‮ ‬يعتبر ثورة؟‮.. ‬ بالأمس اقتبست مقولة لأحد المحللين الأمريكيين وهو جورج فريدمان عندما قال‮: ''‬ليست كل الاحتجاجات ثورات،‮ ‬وليست كل الثورات ثورات ديمقراطية،‮ ‬وليس بالضرورة أن تقود جميع الثورات الديمقراطية إلى ديمقراطية دستورية‮''. ‬ حتى نفهم كيفية ما حدث في‮ ‬البحرين،‮ ‬وما إذا كان بالفعل ثورة أم مجرد احتجاج،‮ ‬يجب أن نفهم مفهوم الثورة وسياقه في‮ ‬منطقة الشرق الأوسط‮. ‬فالثورة‮ ‬يشترط فيها العناصر الآتية‮: ‬ أولاً‮: ‬أن تكون حركة شعبية واسعة‮.‬ ثانياً‮: ‬أن‮ ‬يكون لها توجه سياسي‮ ‬منظم‮.‬ ثالثاً‮: ‬أن تعبّر عن رغبة عامة لجميع أفراد الشعب‮. ‬ رابعاً‮: ‬تستهدف تغيير النظام السياسي‮ ‬القائم بشكل جذري‮. ‬ لنأخذ هذه العناصر ونطبقها على ما حدث في‮ ‬البحرين؛ ففيما‮ ‬يتعلق بكونها حركة شعبية واسعة،‮ ‬فلا أعتقد أنها كانت حركة شعبية واسعة،‮ ‬وإنما هي‮ ‬حركة فئوية قادتها فئة محدودة العدد،‮ ‬ولم تشمل كافة مكونات الشعب البحريني،‮ ‬أما بالنسبة لكونها ذات توجه سياسي‮ ‬منظم،‮ ‬فهو عنصر قد‮ ‬يكون موجود نسبياً‮ ‬لأننا نتحدث هنا عن تيار ولاية الفقيه رغم وجود اختلافات سياسية محدودة بين التيارات السياسية التي‮ ‬شاركت في‮ ‬هذه الأحداث‮. ‬ وفيما‮ ‬يتعلق بمدى تعبيرها عن رغبة جميع أفراد الشعب،‮ ‬فلا أعتقد أن الأحداث تلك كانت تعبّر عن رغبة عموم الشعب،‮ ‬وإلا لما ظهر تجمع الوحدة الوطنية الذي‮ ‬وصل عدد المشاركين فيه إلى مئات الآلاف من المواطنين،‮ ‬أما بالنسبة لعنصر الهدف المتعلق بتغيير النظام السياسي‮ ‬القائم فقد كان مطلباً‮ ‬لتلك الاحتجاجات‮. ‬ من هنا لا أعتقد أنه‮ ‬يمكن وصف الأحداث السابقة التي‮ ‬شهدتها البلاد بالثورة،‮ ‬بالإضافة إلى ذلك فإن الدول العربية لم تشهد ثورة،‮ ‬وإنما شهدت احتجاجات أدت إلى تغييرات سياسية فقط لا أكثر،‮ ‬وأبرز مثالين تونس ومصر،‮ ‬حيث تغيّر الرئيس ولم‮ ‬يتغيّر النظام السياسي‮ ‬القائم‮.‬ نعود ونطرح سؤالاً‮ ‬أخر أكثر جدلية؛ هل نتوقع أن تتحول الدول العربية التي‮ ‬شهدت احتجاجات واسعة النطاق إلى أنظمة ديمقراطية مستقرة ومزدهرة؟‮. ‬ هناك أمثلة عديدة في‮ ‬العالم لابد من استيعاب تجاربها ودراستها قبل الإجابة على مثل هذا السؤال؛ خصوصاً‮ ‬وأن الدول العربية من البلدان النادرة في‮ ‬العالم من حيث اندلاع الثورات الشعبية‮. ‬ والتجارب التي‮ ‬شهدها العالم تشير إلى أن معظم الثورات الشعبية التي‮ ‬ظهرت خلال الفترة من‮ ‬1988‮ ‬ـ‮ ‬2005‮ ‬لم تؤد إلى الديمقراطية،‮ ‬بل أدت إلى أنظمة تسلطية تنافسية،‮ ‬وهي‮ ‬نوع من الأنظمة السياسية التي‮ ‬تتميّز بعدم الاستقرار،‮ ‬والنظام فيه‮ ‬يقوم على مجموعة من المؤسسات الديمقراطية من حيث الشكل،‮ ‬إلا أن كافة الممارسات داخل النظام تكون تسلطية ويتحكم فيها إما فرد أو جماعة أو حزب‮. ‬وهناك نماذج عديدة على قيام مثل هذه الأنظمة كما حدث في‮ ‬المكسيك‮ (‬1988‮)‬،‮ ‬ونيكارغوا‮ (‬1990‮)‬،‮ ‬وزامبيا‮ (‬1991‮)‬،‮ ‬وروسيا‮ (‬1993‮)‬،‮ ‬وأرمينيا‮ (‬1996‮)‬،‮ ‬وألبانيا‮ (‬1997‮)‬،‮ ‬وصربيا وأوكرانيا وبيرو وغانا‮ (‬2000‮)‬،‮ ‬وجورجيا‮ (‬2003‮)‬،‮ ‬وأخيراً‮ ‬أوكرانيا مرة أخرى‮ (‬2005‮). ‬ مثل هذه الدول شهدت في‮ ‬البداية انفتاحاً‮ ‬سياسياً‮ ‬كبيراً،‮ ‬وظهر نفوذ كبير للتيارات والتنظيمات السياسية،‮ ‬ولكنها سرعان ما دخلت في‮ ‬صراع فيما بينها انتهى بأزمة شرعية في‮ ‬الحكم‮. ‬ من هنا فإننا نخشى كثيراً‮ ‬ألا تصل الدول العربية التي‮ ‬شهدت احتجاجات واسعة وأدت إلى تغييرات سياسية على مستوى رئاسة الدولة إلى مستوى متقدم من الديمقراطية،‮ ‬خصوصاً‮ ‬في‮ ‬ظل تركيبة معقدة تتسم بها المجتمعات العربية