طيب تيزيني

تتعاظم الأزمة النوعية الآن في سوريا إلى حدٍ قد نقول فيه، إن حلّها عبر إصلاح حقيقي يتم بدءاً من الآن، وليس غداً، وإن إنجاز ذلك يعادل وجود الوطن السوري نفسه.

وثمة عقبة ضخمة تقف الآن في وجه أي مشروع إصلاحي، هي اندلاع أعمال عنف عسكرية أمنية. ينطلق العمل على مفهوم quot;الإصلاح الوطني الديمقراطيquot; المعنِي هنا من الإقرار بأن هنالك حاجة تاريخية موضوعية قصوى للقيام بإعادة بناء سوريا، وفق مناهج البحث العلمي واحتمالاته المفتوحة. ليس في الأحداث الجارية الآن في سوريا وغيرها تعبير عن أحداث واضطرابات ومؤامرات خارجية، وإنما هي تعبّر عن الداخل أولاً وأساساً، بالاعتبار السياسي المنهجي.


ونذكر الآن ما نراه رئيساً في طريق الإصلاح على النحو التالي: 1- إن الدعوة للقيام بإنجاز هذه العملية تستدعي تشكيل لجنة عليا ذات خصوصية في إطار الحامل الاجتماعي لمشروع الإصلاح المعني. 2- هؤلاء جميعاً هم الذين يضبطون محاور الحوار وينسقون قضاياه وحيثياته. 3- يدير الحوارات أفراد يمثلون كل أطياف المشروع الحواري المعني. وهم في هذا، يستخدمون ما يلزم لذلك، مثل فتح مكتب إعلامي مركزي ينظم ذلك على سبيل التداول الديمقراطي، ومثل توصيل وتنشيط وتعميم الحوارات عن طريق كل وسائل الإعلام، وكذلك بتأسيس صحيفة يومية تكون في خدمة العمل الحواري الشامل، كما تُخصَّص أوقات لبث ما يتم من حوارات، ولتفعيل ذلك إعلامياً، بحيث تنشأ شبكة بين أطراف الحوار وبين أجهزة الإعلام، بإشراف مجموعة من الإعلاميين المحايدين.

أما المطالب الحاسمة، التي يمكن أن تمثل المطالب التي يطرحها السياسيون والمثقفون والناشطون في حقل التغيير الإصلاحي المطلوب، فيمكن أن تتجلى في أمرين اثنين، يتمثل أولهما في quot;مدخل إلى المشروع الحواريquot;، في حين يظهر الثاني في تحديد ما يعتبر quot;أسس المشروع الحواري في الإصلاح الوطني الديمقراطيquot;. أما هذه الأسس فتنقسم إلى مبادئ وحيثيات. والآن، نحدد المدخل إلى المشروع الحواري، ويتجلى في النقاط التالية: 1- تأكيد مطلق على العيش المشترك بين كل مكوِّنات الشعب السوري، دون أي استثناء.

2- النظر إلى الحل السياسي السلمي على أنه الإطار الوحيد الممكن لإنجاز المشروع الحواري المذكور.

3- إفراج غير مشروط عن كل المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والضمير.

4- تشكيل لجنة وطنية تحدد أسماء كل من تورط في قتل أو عطب أو جرح أي سوري في سياق الأحداث: مَن أمر بذلك، ومن خطط له، ومن نفذه.

لكن المبادئ الخاصة بهذا المشروع تظهر على النحو التالي:

1- إلغاء العمل بقانون الطوارئ والأحكام العرفية. 2- إصدار قانون أحزاب يتّسم بالوطنية الديمقراطية والعصرية الحديثة. 3- إطلاق حرية الإعلام بكل أنماطها المقروء والمكتوب والمسموع، وكل ما ظهر في سياق ثورتي المواصلات والاتصالات. 4- البدء بتفكيك quot;الدولة الأمنيةquot; على قاعدة الانتقال منها إلى حالة quot;أمن الدولةquot;. 5- إلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تتحدث عن حزب quot;البعثquot; بمثابته قائد الدولة والمجتمع. 6- فصل السلطات الثلاث، والبدء بالتهيئة لانتخابات تشريعية جديدة. 7- العمل كلياً بمقتضى quot;بيان حقوق الإنسانquot; التاريخي، ومعاقبة من يتجاوزه.

أما على صعيد حيثيات المشروع المعني فيمكن التنويه ببعض المسائل، من مثل: التأسيس لمركز بحوث استراتيجي تشرف عليه نخب من الباحثين والمفكرين والمثقفين، تكون مهمته الأولى قائمة على البحث في كيفية مواجهة مشكلات ومعضلات الواقع الكبرى والوسطى والصغرى، وذلك عبر النظر إلى هذه جميعاً بصيغة التضايف، أي على نحو جدلي مركّب. أما البدء بذلك فيكون ماثلاً في الملف السياسي، ملف الحرية والديمقراطية، الذي يؤسس أو يكون منطلقاً للملفات الأخرى.