محمد السعيد ادريس

في مناسبات عدة هدد وزير الحرب ldquo;الإسرائيليrdquo; إيهود باراك بأنه في حال وصول أسلحة ldquo;كاسرة للتوازنrdquo; إلى أيدي المقاومة اللبنانية فإن ldquo;إسرائيلrdquo; ستدرس إمكانية تنفيذ عملية عسكرية لإحباط نقل هذه الأسلحة . وفي الأسبوع الماضي كتبت صحيفة ldquo;هآرتسrdquo; أن اللواء أفيف كوخافي رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ldquo;الإسرائيليةrdquo; زار سراً الولايات المتحدة للتحذير من وصول أسلحة متطورة موجودة بحوزة سوريا إلى أيدي المقاومة اللبنانية في حال سقوط نظام الرئيس بشار الأسد . في الوقت نفسه نشرت الصحيفة نقلاً عن صحيفة ldquo;الفيجاروrdquo; الفرنسية أن المقاومة اللبنانية تنقل أسلحة، وخصوصاً الصواريخ، من سوريا إلى لبنان .

هل هذا يعني أن ldquo;إسرائيلrdquo; باتت تتشكك في قدرة نظام الرئيس الأسد على البقاء، وأن ldquo;سيناريو السقوطrdquo; بات محتملاً؟ السؤال مهم لسببين، أولهما أن هناك من يعتقد في ldquo;إسرائيلrdquo; أن حرباً استباقية سورية لبنانية يمكن أن تحدث ضد ldquo;إسرائيلrdquo; لمنع سقوط النظام في سوريا، يكون هدفها الانحراف بمسار التغيير المطلوب الآن في سوريا من إسقاط النظام إلى إبقائه عبر هذه الحرب، حيث يعتقد هؤلاء ldquo;الإسرائيليونrdquo; أن تلك الحرب سترمي إلى نقل المعركة من الداخل السوري إلى الخارج مع ldquo;إسرائيلrdquo; وعندها لن يستطيع سوري المجاهرة بالعداء لنظام يقاتل ldquo;إسرائيلrdquo; وقد يزعم أنه يقاتل من أجل حرية سوريا واستقلال إرادتها وشرفها وكرامتها . أما السبب الثاني فيرتبط بالعقيدة العسكرية ldquo;الإسرائيليةrdquo; القائمة على مجموعة من الثوابت سبق أن أعاد تأكيدها إيهود باراك عقب الحرب على لبنان صيف 2006 .

فالحرب ldquo;المثاليةrdquo; بالنسبة إلى ldquo;إسرائيلrdquo; حسب إيهود باراك أن تكون ldquo;استباقيةrdquo; أي بمبادرة من ldquo;إسرائيلrdquo; وليست رد فعل، لسبب مهم هو في ذاته الشرط الثاني وهو أن تقع خارج أرض ldquo;إسرائيلrdquo; وليس على أرضها، وأن تكون سريعة وهذا هو الشرط الثالث، الذي له علاقة مباشرة بالشرط الرابع والأهم وهو أن تكون سريعة ولا تمتد زمنياً حتى لا تصل إلى ldquo;إسرائيلrdquo; وإلى الجبهة الداخلية ldquo;الإسرائيليةrdquo; التي هي أهم نقاط الضعف ldquo;الإسرائيليةrdquo; . فالحرب طويلة المدى أو الاستنزافية تفرض على قوات الاحتياط أن تدخل المعركة، وهذا معناه أن الحرب وصلت فعلاً إلى الجبهة الداخلية، وأن الرأي العام ldquo;الإسرائيليrdquo; سيتحول إلى قوة ضاغطة لوقف الحرب قبل أن تكون قد حققت أهدافها .

ماذا يمكن أن يفعله ldquo;الإسرائيليونrdquo; في ظل هذه ldquo;الورطةrdquo; السورية . ورطة انتظار حرب قد تقع ضدها تهدف إلى الحفاظ على نظام الأسد من السقوط، وورطة المبادأة في شن حرب ضد سوريا أو ضد لبنان أو حرب شاملة ضد سوريا ولبنان، وعندها يصعب التكهن بردود الفعل الإيرانية، حيث يصعب استبعاد احتمال التورط الإيراني في مثل هذه الحرب ldquo;الإقليميةrdquo; .

الورطة ldquo;الإسرائيليةrdquo; تتسع في ظل ثلاثة اعتبارات شديدة الأهمية . أبرزها السيناريوهات ldquo;الإسرائيليةrdquo; المعقدة للتغيير المحتمل في سوريا، وهي سيناريوهات يمكن وصفها بrdquo;سيناريوهات اليقين الغامضrdquo; .

أول السيناريوهات الغامضة يتعلق بحدود التغيير المحتمل في سوريا، هل هو إسقاط للنظام بكامله، أم إسقاط لأبرز مرتكزات النظام في ظل معادلة توازن القوى الصعبة بين الحكم والمعارضة، والحوارات الداخلية التي بدأت تجري داخل سوريا بين أطراف علمانية معارضة يبدو أنها أضحت مذعورة من إمكانية سيطرة تيارات الإسلام المتطرف على السلطة في حالة سقوط النظام، ومن ثم فرض نظام إسلامي لا يريده مثل هؤلاء العلمانيين، ولذلك فإنهم قد يفضلون سيناريو التغيير داخل النظام وليس إسقاط النظام، أي إعادة تأسيس النظام نفسه على أسس ديمقراطية وعلمانية حتى لا يتحول إلى نظام إسلامي . هذا يعني أننا أمام أحد سيناريوهين إما إسقاظ النظام وإما إصلاح النظام، لكن هناك داخل سيناريو إسقاط النظام أحد احتمالين، إما ظهور نظام ليبرالي ديمقراطي أقرب إلى الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً ومن ثم يمكن اعتباره صديقاً محتملاً لrdquo;إسرائيلrdquo; وإما مجيء نظام إسلامي معتدل أو متشدد، وفي كلتا الحالتين ستكون ldquo;إسرائيلrdquo; مستهدفة سواء على المدى الطويل أو على المدى القريب .

وبشكل عام، فإنه في ظل سيناريوهات هذا اليقين الغامض، سوف يكون من الصعب على ldquo;إسرائيلrdquo; أن تتبنى خيار الحرب في مثل هذه الظروف ضد سوريا، لأن الحرب ستزيد من تعقيد وإرباك كافة الحسابات، وقد تكون في غير مصلحة القوى والتيارات السورية التي يراهن ldquo;الإسرائيليونrdquo; عليها كصديق محتمل في المستقبل .

الاعتبار الثاني له علاقة بتركيا، فالتخطيط ldquo;الإسرائيليrdquo; يرتكز على تفكيك علاقة سوريا بتركيا وتفكيك علاقة سوريا بإيران وتفكيك علاقة سوريا بإيران كانت له الأولوية في الأعوام الماضية ضمن سيناريو احتواء إيران . الآن يرتكز ldquo;الإسرائيليونrdquo; على استعادة تركيا كحليف، واستغلال التوتر في العلاقات التركية السورية بسبب رفض الأخيرة لسياسة القمع السورية ضد المعارضة وانحيازها إلى سيناريو الإصلاح الجذري للنظام . لذلك فإن شن حرب ldquo;إسرائيليةrdquo; ضد سوريا الآن قد يربك التقارب التركي ldquo;الإسرائيليrdquo;، ويعيد تركيا كطرف إقليمي مناهض للسياسة ldquo;الإسرائيليةrdquo; نظراً لأن تركيا ليست مع إسقاط نظام الأسد ولكن مع الإبقاء عليه وإصلاحه لتأمين الأمن والاستقرار في سوريا، خشية أن يمتد التوتر السوري إلى الداخل التركي من منظور سياسة ldquo;البيوت الخشبيةrdquo; التي ابتدعها وزير الخارجية أحمد داود أوغلو .

الاعتبار الثالث له علاقة بتيار الثورة العربية خاصة في مصر فrdquo;الإسرائيليونrdquo; الذين روعهم سقوط حسني مبارك ونظامه حريصون على حصر حركة الثورة والتغيير في مصر على الأوضاع الداخلية المصرية، وعلى ألا يمتد التغير الثوري إلى دور مصر العربي والإقليمي، وعلى علاقات مصر مع ldquo;إسرائيلrdquo; وشن حرب ldquo;إسرائيليةrdquo; ضد سوريا الآن قد يصور على أنه موجه لحركة الثورة في سوريا، ويجعل من ldquo;إسرائيلrdquo; عدواً مباشراً للتغيير ومن ثم يدفع الثوار في مصر إلى مراجعة حساباتهم وأولوياتهم، وربط التغيير داخل مصر بالتغيير خارجها وبالذات تجاه الموقف مع ldquo;إسرائيلrdquo; .

اعتبارات ثلاثة إذا أضفنا إليها الاعتبار الإيراني كطرف قد يدخل الحرب ضد ldquo;إسرائيلrdquo; إذا ما شنت الحرب ضد سوريا والمقاومة اللبنانية، أو كطرف سوف يستفيد في حالة رد الفعل المصري الرافض لأي عدوان ضد سوريا، حيث ستعود مصر إلى دورها العربي والإقليمي، وعندها قد تجد أن التقارب مع إيران أضحى ضرورياً لحسابات توازن القوى مع الأطراف الأخرى تجعل من خيار الحرب ضد سوريا رهاناً خاسراً، لكن الانتظار السلبي قد يكون خياراً أكثر صعوبة لا تستطيع ldquo;إسرائيلrdquo; أن تدفع أثمانه المحتملة .