إياد الدليمي

غدا الجمعة، جمعة laquo;لا للحوارraquo;، التي سيدخل فيها الشعب السوري شهره الخامس في نضاله من أجل نيل حريته، سيكون الجميع على الموعد، كما في كل جمعة، ولكن هذه المرة ستكون كل العيون على حماة، المدينة التي أذهلت النظام في جمعة laquo;ارحلraquo; الماضية، عندما خرجت عن بكرة أبيها لتردد بصوت واحد laquo;الشعب يريد إسقاط النظامraquo; فلم يتمالك هذا النظام نفسه, وبإجراء سريع وهستيري قام بإقالة المحافظ أحمد عبدالعزيز متهما إياه بالتسبب في خروج هذه المسيرة، والتي كانت سلمية إلى أقصى حدود السلمية وأبطلت معها كل دعاوى النظام، فلم ترق قطرة دم واحدة رغم أن العدد كان أكثر من 500 ألف متظاهر، بل الأكثر من ذلك أن أهالي تلك المدينة الخالدة خرجوا في اليوم التالي لمظاهرتهم الحاشدة لتنظيف المدينة وشوارعها في صورة تعكس وعي هذا الشعب ورقيه، رغم ما تسمه به وسائل إعلام النظام من صفات لا تليق به.
حماة ومنذ جمعة ارحل وهي محاصرة، جاءتها القوات الأمنية والجيش والشبيحة وأجهزة المخابرات، من كل حدب وصوب، مدينة حاصرها العسكر وحاصرتهم هي بتكاتفها ووحدة أهلها، فقام الجميع بدوره على أكمل وجه، حيث أغلقت الشوارع والمداخل الرئيسية المؤدية إلى المدينة بحاويات القمامة الكبيرة وأشعلت إطارات السيارات لمنع تقدم الأمن والشبيحة والجيش داخل المدينة، الأمر الذي أجل دخول تلك القوات إلى وسط المدينة رغم أنها دخلت بعض الأحياء وقتلت أكثر من 30 شخصا وأصابت العشرات, ناهيك عن اعتقال المئات.
العيون كلها على حماة، ومعها القلوب، وشريط الذكريات، الذي يمر حاملاً معه صور الآلاف ممن قتلوا هناك في عام 1982، والآلاف ممن هجروا وما عاد لهم وطن، والآلاف ممن فقدوا، والأيتام والثكالى، وصورة المدينة بالأبيض والأسود وهي أطلال تنعق فيها غربان النظام، لذلك فحماة ليست كأي مدينة.
إن حماة يمكن أن تذبح مرة أخرى، خاصة إذا استمر الصمت العربي والدولي بحق جرائم نظام دمشق، فرغم كل ما ارتكب في سوريا منذ ثلاثة أشهر، ما زالت ردة الفعل الدولية باردة وباهتة، ولا نريد أن نتحدث عن ردة الفعل العربية فهي مخجلة ومشينة، وستبقى وصمة عارها تطارد هذه الأنظمة.
أربعة أشهر منذ انطلاق حركة الاحتجاجات في سوريا، ورغم القتل والتدمير، ما زال البعض يتحدث عن ضرورة الإصلاح، بل إن البعض ما زال يرسل رسائل إيجابية للأسد، متجاهلا كل هذه الجرائم التي أنطقت منظمة العفو الدولية، حين تحدثت في تقريرها الأخير أن ما جرى في تلكلخ السورية قرب الحدود مع لبنان، يرقى لوصفه بجرائم ضد الإنسانية، وهنا لا يتحدث التقرير عن درعا التي ما زال الجيش يمسك بتلابيبها حتى لا تخرج الفضائح التي جرت هنا، ولا يتحدث عن حمص والرستن والمعظمية وجسر الشغور التي تفيد بعض الأنباء أنها تحولت إلى مدينة حماة أخرى بفعل القصف الذي طال أغلب مبانيها.
وإذا كانت حماة 1982 قد بقيت وحدها في مواجهة ظلم النظام، فإنها اليوم تحيط بها كل المدن السورية على امتداد الخارطة، فكل سوريا خرجت، وكل سوريا مطالبة أن تناصر حماة وألا تدع قبضة الأمن والإجرام تستفرد بها. على السوريين أن يكرروا مشهد حماة في جمعة ارحل في مدنهم، لا عذر لأحد، على المدن السورية أن تخرج عن بكرة أبيها لتشتت جهد النظام، وأيضا لتمنع عن حماة مجزرة أخرى.
إن حماة أفقدت النظام صوابه عقب خروجها الكبير في الجمعة الماضية، وبات الحديث عن الحل الأمني يتراجع أمام حشود الجماهير، وهو ما بدا واضحا في المفاوضات التي أجراها أمس أحد مسؤولي الجيش السوري مع وجهاء المدينة، عندما طالبهم بالسماح لهم بالدخول مقابل إعادة التيار الكهربائي والمياه، فالجيش السوري، رغم كل ما يقال عنه يبقى ابن هؤلاء الناس ويعود أصله لتلك التربة، وبالتالي فإن قبضة النظام الأمنية ستتراجع لو كررت المدن السورية ما فعلته حماة.