خالد هنداوي

النظام السورى يسير على خطى القذافى وصالح فى قمع المتظاهرين


يعجز المرء حقاً أن يعبر ويبين عما يحدث اليوم في وطننا الغالي سوريا من جرائم يندى لها جبين الإنسانية جمعاء وكلما ظننا أن سيول الدماء قد تتوقف يخوننا الظن لينقلنا إلى اليقين أنه إذا عرف السبب بطل العجب، فما جرى قبل ثلاثة أيام في جمعة أطفال الحرية من قمع وحشي للمتظاهرين الذين امتدوا هذه المرة ليشملوا البلاد بطولها وعرضها وفي كل بؤرة انتصار الاستشهاد الطفل التاريخي في أيامنا هذه حمزة علي الخطيب وغيره واستنكاراً لما حدث له من قتل همجي وتعذيب ساديّ وتمثيل وصل إلى كسر عنق الرقبة وقطع عضوه التناسلي.. مما لا يخطر على بال إنسان لفتى حدث لم يزد عمره على ثلاثة عشر ربيعا والذي يتبادر إلى الذهن هو ما الذي استفزهم به حتى فعلوا ما فعلوا أو أننا يجب ألا نسأل هذا السؤال فإنه إذا عرف السبب كما قلنا بطل العجب فإن قوما تربوا من صغرهم على الحقد الدفين وإيذاء الآخر بأشنع الأساليب لا يستغرب أن يصدر منهم مثل هذه البشائع فكل إناء ينضح بالذي فيه نعم لقد هب أسود سوريا بقلوبهم وحناجرهم ومشاعرهم ولم يأبهوا لتهديدات القتلة ونيرانهم الجبانة ولقد كانت التظاهرات أكثر امتدادا واحتدادا واشتدادا هذه الجمعة في مدينة حماة الشهيدة منذ مجزرتها الأولى في القرن الماضي عام 1982 فبلغت الأعداد الثائرة سلميا ضد آلات القمع الأسدي أكثر من مائة ألف، نعم هذا هو الصحيح وليس كما قيل: خمسون ألفا أو يزيد فلقد حدث التبيّن من ذلك تماما وبينما الحناجر والمشاعر تهتف بسقوط النظام المتآمر على شعبه والذي فقد شرعيته بإهدار أو لقطرة دم ترصد القناصة الجبناء ووقف الشبيحة الأجراء المجرمون وانهالوا بالرصاص الحي على المتظاهرين فقتلوا أكثر من مائة شهيد من الشباب الطاهر المسالم وصبوا جام حقدهم على أهل هذه البلدة الطيبة الأبية لما حملوه من غل قديم كان قد تعاطى حافظ الأسد معه بإجراء البلد نهرا من الدم حتى احمر ماء نهر العاصي وقتل ثمانية وثلاثين ألفا من الأحرار والأبرياء على مدى سبعة وعشرين يوما على ما أقر به رفعت الأسد شقيق حافظ الذي كان قد تولى تنفيذ العملية الوحشية بقرار أخيه وهذا الخبر كانت جريدة الإندبندنت البريطانية ذكرته نقلا عن رفعت نفسه ثم على تقدير منظمات حقوق الإنسان فقد قُتل أربعون ألفا بينما كان العدد على تقدير روبيرت فيسك الذي زار البلد بعد انتهاء الأحداث عشرة آلاف وعلى أية حال فإنها مجازر لا يمكن أن تمحى ندوبها من قلوب أهل حماة، هذه المدينة التي هدم ثلثها وهدمت كنائسها الأربع وستة وستون مسجدا فيها بالقصف المدفعي الذي تم بعد تطويق المدينة من كل الجهات، فحدث ولا حرج عن الأهوال الجسام التي تمت فيها ثم فقد أكثر من سبعة عشر ألفا لا يدري أين هم وهاجر منها إثر ذلك أكثر من مائة ألف إلى بلاد الله الواسعة، وهكذا يريد بشار الابن البار لوالده أن يكون سر أبيه وكيف لا وهو الذي صرح للإعلام أنه مستعد أن ينجز كالذي أنجزه والده في حماة ألا بئس ما تنجزون يا أيها السفاحون الدمويون، من كان يتوقع أن تدك مدينة حماة التي يكتب عنها الجغرافيون أنها أقدم مدن العالم كما أن دمشق هي أقدم عواصم العالم، لو رأيتم كيف تحولت آثار الرومان الضخمة الهائلة التي تطل على نهر العاصي الجميل خرابا يبابا لعلمتم فداحة المأساة ولو عرفتم ماذا شكا هذا النهر لأخيه بردى دمشق وما حل أيضا بأهلها ويحل اليوم خاصة في متظاهري الميدان في جامع الحسن وفي أحياء وأرياف دمشق لأدركتم أن فاقد السلام والمحبة لشعبه لا يعطيها أبداً وأن الذي حكم ويحكم ابنه الوريث بالنار والدمار لن يمحو التاريخ صفحاتهما ومن لف لفهما من العار والشنار..
يا شام فؤادي محترق
هل لي من نبع الفيجة ماء
ولظى الحرمان شوى كبدي
هل من عين الخضرة أفياء
بردى والعاصي هل وقفا
من عين الحب همت بسخاء
أم أنهما حقا جريا
من أجساد الشهداء دماء
هذه المدينة الساحرة حماة كيف حولها الحقدة الموتورون إلى ما آلت إليه ويا ليت الشاعر محمد الصافي النجفي رحمه الله كان حيا ليرى ما دهاها إذ هو الذي كان يتعشقها من بين آلاف الشعراء:
هذي حماة مدينة سحرية
وأنا امرؤ بجمالها مسحور
أنى اتجهت فجنة وخمائل
أو أين سرت فأنهر وجسور
ويا ليت الأيوبيين وقد كانت مملكتهم التي نشأوا فيها ويا ليت أسامة بن منقذ ينظر إلى ما نكبت به ليبكي دما كما تبكي النواعير التي عرفت أيضا حماة بها ويبكي صلاح الدين..
أم النواعير لا نابتك أخطار
ولا تمادى على الأحرار فجار
وأبعد الله عنك الشر من عصب
شبوا على الحقد بئس الإثم والعار
نوحي نواعيرنا الثكلى فقد قطعت
من البساتين حول النهر أزهار
إن الذين يقتلون اليوم هم الذين قتلوا أمس وكلاهما يرفعون شعار الصمود والتصدي والمقاومة والممانعة وهم هم في الحقيقة حماة إسرائيل الحقيقيون وإنما يوفرون جيوشهم لنزال شعبهم لا غير والوقائع أكبر الأدلة ولأنه كما قال عبدالرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد إن الاستبداد والمقاومة لا يجتمعان أبدا، حقا كيف تكون مستبدا بشعبك ثم تكون مقاوما لعدوك فلا الأب استطاع ولا الابن أن ينشرا الحرية في سورية ولا هما استطاعا أن يحررا شبرا من الجولان المحتل فأي حرية يدعون وأي صمود ومقاومة يتشدقون بها ثم أي عروبة يزعمون وقد رهنوها بالتحالف مع الشعوبيين أهكذا تصاب دمشق قلب العروبة وعاصمة الأمويين، ثم أين الاشتراكية التي تدعونها وقد سحقتم الطبقة الوسطى في سوريا وهي التي تمثل سواد الشعب، أين الحرية التي تزعمون وتهتفون بها في وسط شعاركم وحدة حرية اشتراكية، أليست حرية السجون والمجازر التي اعتدتم عليها حتى أصبحتم تستلذون بها وتتمتعون وكما قال رولان: أيتها الحرية كم من الجرائم ترتكب باسمك وهو ما أكده الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو: إن قوما يسفكون دماء خصومهم وشعوبهم باسم الحرية مع أنه لا تلازم البتة بين حرية الرأي والعنف، ثم يأتون ليتفيهقوا علينا أنهم هم وحدهم الذين يفهمون الحرية!
يا عجبا من صبر هؤلاء المتظاهرين على آلامكم المصبوبة عليهم في كل مكان سوري خاصة اليوم في حماة الشهيدة وجسر الشفور حيث قتل ستة وثلاثون شهيدا وأطلقت الطائرات المروحية حممها من الجو عليهم كأنك في حرب مع بني صهيون استغفر الله فهم أصدقاء في النهاية لأن النظام إنما يحمي بسبب حمايتهم وإدامة التهدئة معهم إلى أجل غير مسمى، أما شعبنا السجين فإنه لم يذق إلا الذل والهوان مؤخرا منذ أحد عشر عاما أسودا أو كما قال الكاتب طارق الحميد في الشرق الأوسط أمس حيث إن النظام السوري منذ أربعة عقود لم يقاتل إلا شعبه وكذلك الشعب اللبناني أما إسرائيل فلا وعندما ينادي السوريون اللهم احم البلد فهذا دليل على أن ثمة أزمة حادة فيه كما قال الكاتب حسان القالش في صحيفة الحياة أمس ولكن لشدة الخوف فقد بلغ الأمر بالفنان السوري علي فرزات أن يدعو إلى التظاهر على الورق عبر النشر الإلكتروني وذلك بعد إغلاق صحيفة الدومري الساخرة منذ عام 1963 من قبل وزارة الإعلام لأنها لا تتماشى مع سياسة النظام بل زاد الكاتب أحمد الراشد من صحيفة الشرق الأوسط أن المجاهرة بمخالفة النظام أمر محفوف بالمخاطر لا للشخص وحده بل للأنظمة المجاورة لسوريا فهي قادرة على الإيذاء والاغتيال ولذلك لم تجرؤ معارضة أن تقف بقوة إلا الإخوان المسلمون، ومع أن المتظاهرين آمنوا بسياسة اللاعنف فإنهم قتلوا حتى عرف الجميع أن معزوفة هذا النظام كمعزوفة نظام القذافي وصالح: إما أن نحكمكم ونقتلكم ولابد لكم أن تأكلوا من الطبخة التي نطبخها نحن ولذا فأسود حماة وأخواتها لن يستجيبوا أبداً حتى تعود سوريا للسوريين جميعا.