علي العنزي

منذ انطلاقة الثورة التونسية ونجاحها في إزاحة الرئيس بن علي عن السلطة، وانتشار تأثيرها للعديد من الدول العربية الأخرى بدءً بمصر والتي نجحت كذلك في ثورتها، والعالم يراقب ما يحدث بالكثير من الدهشة، وعدم التصديق، بقوة تأثير الثورتين، وامتدادهما إلى مناطق عربية أخرى، مما جعل الخبراء والمراقبين يطلقون عليها ثورات الربيع العربي، حيث انتشرت على نفس الشاكلة والأدوات، ولكن لم تصل إلى نفس النتيجة التي وصلت لها الثورتين التونسية والمصرية، نظراً لاختلاف الظروف والمعطيات.

المتابع لهذه الثورات وتأثيرها و من خلال تحليلها يجد أن هناك عدة سمات لهذه الثورات يجب التركيز عليها ودراستها وهي:

أولاً: أن المحرك الرئيس لهذه الثورات هم الشباب وهم من يقودها ويحركها ويتفاعل معها، وهم كذلك من أشعلها، لذلك لا بد من معرفة مدى أسباب تولي هذه الفئة للقيادة، فيبدو أن السبب الرئيس هو اقتصادي، حيث أن أغلب مشاريع التنمية في عدد من الدول العربية لم تغطي هذه الفئة، وكذلك لا ننسى أن نسبة النمو في المجتمعات العربية هي الأكبر في العالم، مما يجعل مواكبة هذا النمو ببرامج تنموية أمر ضروري.

ثانياً: الإعلام الجديد والتقليدي، لعب دوراً رئيساً، إذ كان هو وسيلة الثورتين التونسية والمصرية، وكان تأثيره في هاتين الثورتين واضح، بحيث نجحتا بدون عنف وانقسام في المجتمع كما يحصل في باقي الدول العربية التي فيها احتجاجات وثورات، ولذلك أظهرت هذه الثورات مدى قوة الإعلام الدولي الفضائي والالكتروني، ومدى وصوله إلى كافة شرائح المجتمع، حتى ولم تم منعه، وبرزت كذلك بشكل كبير جداً في التأثير، خلال ثورات الربيع العربي، ما يطلق عليها من قبل خبراء الإعلام صحافة المواطن. كما أن هذه الوسائل أثرت في انتقال هذه الثورات من دولة إلى أخرى.

ثالثاً: أظهرت هذه الثورات ضعف البناء السياسي في الدول العربية، وتمحورها حول شخص القائد أو الرئيس، وعدم تطور البناء السياسي إلى بناء مؤسساتي، يستطيع أن يقدم من خلاله، الأفكار والنصح والرؤى للمؤسسة السياسية، ولذلك تضعف الحكومة في حال ضعف الرئيس، وكذلك عدم استطاعتها مواجهة الضغوط الدولية، بشكل فاعل لأن قراراتها فردية وتتمحور حول رأس الهرم السياسي.

رابعاً: برزت أهمية الحاجة للإصلاح ومواكبة التطورات الـــسيـــاسية والاجـــتـــمــاعـــية والاقتصادية، و أهمية التنمية المستدامة في الدول العربية، والتي تركز على تنمية الإنسان، خصوصاً في الجانب التعليمي، وتطوير مصادر الدخل الفردية والمجتمعية، والتركيز على فئة الشباب وتنمية مصادرها من خلال خلق مشاريع عمل في القطاع الخاص، ومشاريع استثمارية للشباب، وأعمال خاصة لــهم لهـــا مردود اقتصادي عليهم، و تـــبعث فيهم روح الإبداع والتميز.

خامساً: تبين أن الاقتصاد أحد الأسباب الرئيسة التي حركت هذه الثورات في العديد من الدول العربية، ولذلك تبين مدى ضعفه وعدم نجاح الخطط الاقتصادية والتنموية، وإلا لماذا يتفوق اقتصاد اسبانيا على اقتصاديات الدول العربية مجتمعه، علماً أنها من دول الاتحاد الأوروبي التي تواجه مشاكل اقتصادية. كما أن ضعف الاستثمار في تنمية الدخل للدولة وتطويره كان مسببا لعدم تطور دخول العديد من الدول العربية، واعتماد العديد منها على المساعدات الخارجية.

سادساً: برزت أهمية الرأي العام المجتمعي، وتكوين مؤسسات المجتمع المدني، والتي تساعد في اتخاذ الرأي الصحيح والقرار الصائب، وتستطيع من خلال هذه المؤسسات الحكومات أن تحاور الجميع، وكذلك تصلح مؤسساتها بناء على ما يتطلبه الرأي العام.

سابعاً: ظهر خلال هذه الثورات الدور الحيوي للإعلام بكافة أشكاله، في تنوير وتثقيف الشعوب، وكذلك دوره الخطير في إثارة بعض النعرات الطائفية والفئوية، فهو سلاح ذو حدين، مما يستوجب التعامل معه بكل شفافية وإعطائه مساحة من الحرية تساعد المجتمع ومؤسسات الدولة للوصول إلى نتيجة مرضية وتحقيق أهداف المجتمع والمحافظة على استقراره وأمنه.

الاستفادة من هذه الثورات والاحتجاجات في الجوانب والمستويات كافة، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أصبحت أمراً ضرورياً، ولا ننظر إليها على أنها ظواهر عابرة، أو إنها من صنع الخارج، بل يجب التعامل معها بكل جدية وشفافية، ودراسة كل تأثيراتها ومسبباتها من خلال الجامعات ومراكز الأبحاث المتخصصة، ومعرفة كل ما يتعلق بها، وتكون هذه الدراسات هي دراسات ذاتية نابعة من مؤسسات عربية تنتمي إلى المجتمعات العربية بحيث تعرف واقع العرب ومجتمعاتهم، و لا ننتظر الوصفات الدولية التي تقدم لنا سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية، والتي لم تثبت نجاحاً في يوم من الأيام، علماً أنه يمكن الاستفادة من تجارب الآخرين في بعض المعطيات.

دور الجامعات و مراكز الأبحاث، في تحليل ثورات الربيع العربي، أمر حيوي وضروري، ويفترض أن هذه المؤسسات قامت، منذ بداية هذه الثورات بدراستها وتحليلها بشكل مستقل وشفاف، لأن التحركات التي نراها الآن هي حقبة مهمة جداً من تاريخ المنطقة، ولذلك هنا يبرز دور الجامعات ومراكز الأبحاث، لتقدم تحليلاتها ورؤاها حول هذه الظواهر إلى أصحاب القرار وكذلك إلى المؤسسات الإعلامية، بدل أن نسمع التحليلات من مراكز أبحاث في واشنطن ولندن وباريس وغيرها من المدن، والتي تبتعد العديد من تحليلاتها عن الواقع الذي تعيشه معظم الدول العربية وشعوبها.

يعتقد العديد من الخبراء والمحللين أن ما يدور في المنطقة من أحداث وظواهر، لا يمكن تجاهله، وسيكون له تأثير عميق جداً على شعوبها ومجتمعاتها، سواء سلباً أو إيجاباً، ولكن الذي يقرأ الأحداث بتمعن، ويواكب تطوراتها بذكاء، ويعتمد على دراسات تعكس الواقع وتقرأه بتجرد، ويتخذ قرارات ملائمة ومناسبة للتطورات، يستطيع أن يتجنب سلبيات هذه التطورات والأحداث، ويقود شعبه على بر الأمان.