يبدو - وبعض يبدو إثم لدينا - أن ما نحلم به من ربيع على امتداد ترابنا المتعب بنا سيغدو خريفاً مبكراً وحزيناً ، ليس لأن ما قبله كان جميلًا ومبهجاً ، بل لأن أزمتنا الحقيقية فكرية معقدة ، ولأنها في الإنسان وليست في النظام فقط ، ولأنها كذلك فنحن لا نعرف كيف نحيّدُ المتغيرات ونختبرها عندما ندرس ونصف ونشخّص الحالة - أي حالة - ثم في بحثنا بعدها، عندما تصبح أزمة، عن حل عاجل وربما مكلف أو متلف.
ثم نظن أخيرا - وبعض الظن حسن لدينا كذلك - أن مشكلاتنا منا وفينا، وهي موجودة في دواخلنا (الطاهرة) وليست من سوانا (النجس) !!!!! ، وأن نظرية المؤامرة تلك التي اعتنقناها زمانا ما هي إلا وحش كاسر تخيلناه واخترعناه، وبالغنا في تصوير أبعاد قوته وعنفوانه وأثره ..
والأكيد في هذا وذاك أن الأمة تكون عندما تريد أن تكون ، وأن الوعي يبدأ بالإنسان الذي يفرز النظام ، وأن للتنمية والحضارة والرفاه مناهج وممارسات وأساليب حياة مركبة ومتداخلة تبدأ بالفرد لتعم المجاميع ثم تعود إليه لتأخذ منه وتعطيه.
والأكيد كذلك أن فوضى الشوارع لا تبني تنمية، ولا تصلح فساداً ولا تقيم معوجاً ، ولابد لنخب المجتمعات في ميادينها من المزيد من الصلاحيات وحرية التعبير وممارسة التغيير المنضبط ، ولابد لتلك النخب من أن تمارس جميع أدوارها وفق الكفاءة وتكافؤ الفرص، والبعد عن الأنا والمحسوبية والمصالح الضيقة وغياب الحس الوطني والشعور بالفوقية الفارغة ، والنزول إلى واقع الناس بكل تضاريسه وهمومه على عموم مساحة الجغرافيا بمسطرة التاريخ الدقيقة وقلم المستقبل الجلي والواضح المعالم في آمال وتطلعات هؤلاء الناس بكافة شرائحهم، ودراسة حاجاتهم من خلال تفعيل مؤسسات وهيئات المجتمع المدني لواقع أمثل دائما يشاركون في صياغته والاستفادة منه بعد ذلك في مسير لا يتوقف..
التعليقات