أمجد عرار

لم تعلّق وزارة الخارجية الفرنسية على موقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي قال في خطابه الموّجه إلى الشرق الأوسط قبل ثلاثة أيام، إن حدود عام 1967 يجب أن تكون إطار المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني وrdquo;الإسرائيليrdquo;، ربما لأنها كانت تدرك أن ldquo;إسرائيلrdquo; ستسارع إلى التعبير عن الغضب والثبور وتهدد بعظائم الأمور . لكن بلاد الثورة الصناعية علّقت على خطاب أوباما في المؤتمر السنوي للوبي ldquo;الإسرائيليrdquo; في أمريكا ldquo;إيباكrdquo; بإعلانها تأييد موقف أوباما بخصوص حدود ال ،67 وهو الموقف المرفق بالاعتراف بالتغييرات الديمغرافية التي حدثت على الأرض، أي السرطان الاستيطاني وتهويد القدس .

الخارجية الفرنسية طرحت الموقف في بيانها على نحو موجّه لواشنطن أكثر مما هو موجه للفلسطينيين وللعرب، عندما ذكّرت المعنيين في البيت الأبيض، وربما في ldquo;إسرائيلrdquo; بأن ما تضمنه خطاب أوباما الثاني يعكس تقارب وجهات النظر الأمريكية الفرنسية (لاحظوا: الأمريكية - الفرنسية تختلف عن الأمريكية والفرنسية) . ولم تنس خارجية فرنسا أن تستنسخ أحد الثوابت التي كررها أوباما فيما يتعلّق بأمن ldquo;إسرائيلrdquo; الذي اعتبرته غير قابل للتفاوض .

لم نكن نتوقّع غير هذا الموقف من فرنسا التي باعت لبنان المقرّب منها تاريخياً، لواشنطن وجيفري فيلتمان، في أول صفقة ل ldquo;التكفير عن ذنبrdquo; عدم المشاركة في حرب تدمير العراق، قبل أن تصبح باريس مربوطة بخيط معدني بواشنطن، وقد قرأنا ما تبجّحت به الصحف ldquo;الإسرائيليةrdquo; عن اقتراح جاك شيراك أن توسّع ldquo;إسرائيلrdquo; عدوان يوليو/تموز 2006 ليشمل سوريا، ورأينا قبل بضعة أيام كيف أن فرنسا نصحت مواطنيها بعدم المشاركة في ldquo;أسطول الحريةrdquo; الثاني المقرر أن يتجه الى غزة حاملاً مساعدات إنسانية إلى شعب محاصر، وليس معدات فرنسية لمفاعل ديمونا النووي الذي بنته فرنسا ل ldquo;إسرائيلrdquo; لكي تضمن ما باتت تكرّره الولايات المتحدة عن ضمان تفوّق ldquo;إسرائيلrdquo; العسكري على كل الدول العربية .

وفي اليوم نفسه الذي تحركت فيه فرنسا لمنع مواطنيها من المشاركة في مهمة إنسانية لمصلحة المحاصرين في غزة، رفعت صوتها عالياً للتنديد بعرقلة المهام الإنسانية للأمم المتحدة في سوريا، نحن أيضاً نندد بهذا الموقف السوري، لكننا لسنا مزدوجي المعايير مثل فرنسا التي توأمت بين الإليزيه والبيت الأبيض ودار رئاسة الوزراء في ldquo;إسرائيلrdquo; التي يحلو كثيراً للرئيس نيكولا ساركوزي أن يصفها بأنها إحدى أقرب أصدقاء فرنسا، وقد كرر هذه الأسطوانة في ذكرى النكبة الفلسطينية التي تركت خمسة ملايين فلسطيني منذ ذلك اليوم هائمين على وجوههم في مخيمات اللجوء وبلاد الاغتراب .

ربما، بل بالتأكيد، يدرك الفرنسيون أكثر من غيرهم، ومنا بالطبع، أن سياسة التذيّل للولايات المتحدة، والانحناء المهين أمام ldquo;إسرائيلrdquo;، ليس في مصلحة فرنسا على المدى الأبعد، على الأقل، وكان عليها أن تدرك الأبعاد الحقيقية لإحجام شباب الثورة المصرية عن لقاء هيلاري كلينتون في ميدان التحرير . ثم إن على الإليزيه أن يقرأ ما يعنيه آخر الاستطلاعات الذي يؤكد أن قرابة ثلاثة أرباع الفرنسيين يرون إن حصيلة أربع سنوات من ولاية ساركوزي سيئة .

إذا كانت عقود الخريف العربي سمحت لفرنسا وغيرها بأن تكسب ldquo;إسرائيلrdquo; والعرب معاً، فإن عصر الربيع العربي سيجعل دوام الحال من المحال .