الأزمة السورية: حوار النظام مع ذاته

برهان غليون

الاتحاد الأماراتية
بعد أشهر طويلة من اختيار الحل العسكري لقهر احتجاجات الشعب السوري وتدجين معارضته، طرح النظام في الأسابيع الأخيرة على الطاولة فكرة الحوار الذي أراد له حسب تعبيره أن يكون وطنياً وشاملا. والواقع أن الحوار بالصيغة التي طرح بها يفتقر إلى الصفات الثلاث المذكورة. فهو ليس حواراً لأن السلطة الحاكمة هي التي أوكلت لنفسها، من دون استشارة أحد، خاصة أطراف الحركة الاحتجاجية والمعارضة، تنظيمه وتحديد أهدافه وجدول أعماله، وحررت وثائقه وحددت نوعية الأطراف المشاركة فيه، وضمنت بالتالي نتائجه، ولو لم تعرفها مسبقاً لما قبلت الدعوة له.
وليس وطنياً لأن هدفه لايزال كما هو واضح الدفاع عن النظام القائم، وعدم القبول بأي تنازل يمس بأدواته الضاربة التي تمثلها سيطرة الأجهزة الأمنية والمخابراتية التي لا يكاد أحد يحصي عددها اليوم.
وليس شاملا لأنه قائم بالعكس على استثناء من هم الأصل في طرح مسألة الحوار الوطني بالفعل، أي تلك الجماهير الغفيرة الشابة أساساً التي اكتشفت أنها من دون وطن ومن دون حقوق ومن دون مستقبل، وأرادت استعادة حقوقها، وفي مقدمتها أن تكون سيدة قرارها والمتحكمة بمصيرها.
إن أي حوار في الأزمة السورية الراهنة لا يمكن أن يكون جدياً وينتهي إلى نتائج مرضية إذا لم يقم على أسس واضحة:
1- إن الهدف من الحوار ليس الوصول إلى تسوية مع النظام أو توسيع دائرة المشاركة فيه أو تزيينه، وإنما التفاوض من أجل الانتقال بسوريا نحو الديمقراطية وإنهاء نظام القمع والاستبداد والفساد.
2- بناء الثقة المفتقدة بالطرف الآخر. بعد ثلاثة أشهر ونصف من القتل العمدي للمتظاهرين السلميين، وتشويه صورة الانتفاضة وخلطها بالمؤامرة الخارجية وبالمندسين والمسلحين وغيرهم، أصبح من المستحيل الجلوس على طاولة واحدة مع أطراف النظام من دون تراجع هؤلاء، رسمياً وعلنياً، عن سياستهم القمع والتشويه تلك، والاعتذار للشعب عنها، والاعتراف علناً بأن الشعب السوري هو مصدر السلطات، وتأكيد حقوقه المترتبة على ذلك وأولها الحق في الأمن وفي التظاهر السلمي من دون قمع، وفي اختيار ممثليه بحرية.
3- خلق بيئة مواتية للحوار، مما يستدعي سحب قوات الجيش والأمن، ووقف استخدام القوة والعنف، وإزالة الطوق عن المدن المحاصرة، وكف أيدي جميع المسؤولين عن وضع البلاد على شفير الحرب الأهلية وإقالتهم من مناصبهم، وفتح وسائل الإعلام الوطنية للمعارضة ولجميع السوريين بالمساواة، وضبط أجهزة الأمن والمخابرات ووضعها تحت إشراف وزارة الداخلية والقضاء، وحل الميليشيات الخاصة التي استخدمت في قمع المتظاهرين، وإلحاق جميع القطاعات العسكرية المستقلة بالجيش الوطني النظامي، ووضع حد لتغول المخابرات وما تقوم به من اعتقالات وتعذيب، وإطلاق سراح المعتقلين وإزالة القيود عن تنقل الأفراد السوريين، وعودة المنفيين، وتشكيل لجنة تحقيق محايدة للنظر في قضية أوامر إطلاق النار على المتظاهرين السلميين، وكل ذلك من خلال بيان رسمي يعتذر عما حدث ويطمئن الشعب ويؤكد التزام النظام بعدم العودة إلى استخدام العنف ثانية.
4- تحديد هوية الأطراف المدعوة للمشاركة إلى جانب الحكومة في الحوار وحصرها في ممثلي الشباب والتنسيقيات أولا، وقوى المعارضة الحزبية المنظمة ثانيا، والتفاهم بين الحكم والمعارضة على أسماء الشخصيات المستقلة المشاركة أو المطلوب دعوتها للحوار وعدم ترك تحديد هوية المتحاورين بيد النظام أو حزبه أو اللجنة التي شكلها والتي لا تمثل إلا طرفاً واحدا هو النظام ذاته. ورفض توكيل حزب quot;البعثquot; أو quot;الجبهة التقدميةquot; العاملة تحت إمرته على الحوار، أو مشاركتهما إضافة إلى الحكومة. فالمعارضة لا تعترف بشرعية احتكار quot;البعثquot; للسلطة ولا تماهي الحكومة مع الحزب. الحوار ينبغي أن يكون مع الحكم وحده حتماً، وهو الذي يمثل quot;البعثquot; وأحزاب quot;الجبهةquot;.
5- مشاركة الحكم والمعارضة مسبقا في إعداد جدول أعمال الحوار بين الطرفين، الحكم والمعارضة، والاتفاق عليه مسبقاً، وعدم قبول المعارضة بالدخول في حوار يحدد جدول أعماله النظام وحده.
6- لأن تجربة الشعب والمعارضة مع النظام كانت سلبية للغاية نتيجة إصرار النظام على المراوغة الطويلة والالتفاف على القرارات والوعود الكاذبة، لا يمكن للمعارضة الدخل في أي حوار مع النظام من دون وجود ضمانات عربية ودولية تراقب الحوار وتضمن احترام نتائجه. كما ينبغي أن يحضر المفاوضات ممثل عن الأمين العام الأمم المتحدة وجمعيات حقوقية عملت في سوريا.
وبغياب هذه المقومات الأساسية لأي حوار بنّاء، لن يكون مضمون الحوار سوى تمرير قرارات السلطة باسم إجماع وطني هو مجرد غلالة تخفي استمرار السلطة في إملاء قراراتها. وعلى السلطة في هذه الحالة أن تتحمل وحدها أمام الشعب وقواه المنتفضة مسؤولياتها عن العمل الانفرادي الذي لا تزال تصر عليه.
ومن حق المعارضة أن تنظر إلى هذا الحوار على أنه فخ يهدف إلى توريطها في حوار لا يمكن أن يخرج منه سوى ما تريده السلطة. وأن هدفه الرئيسي، بالصيغة الراهنة التي يطرح بها، لا يعدو أن يكون شق المعارضة السورية وتقويض مصداقيتها أمام جمهورها، والفصل بينها وبين الحركة الشعبية الاحتجاجية التي يشكل قهرها الغاية الأولى والأخيرة لكل ما يقوم به النظام وما سوف يقوم به مستقبلا. وهو يستخدم وهم الحوار منذ الآن ليغطي، أمام الرأي العام العربي والعالمي، على التصعيد المستمر لعمليات التنكيل والعقاب الجماعي التي يمارسها منذ أشهر لكسر إرادة الحركة الاحتجاجية الشعبية، بعد أن لم يعد أحد يصدق خرافة المؤامرة الخارجية ووجود عصابات مسلحة تطلق النار على الأمن والمواطنين.
وبالتأكيد فإن أي معارضة تحترم نفسها سترفض حواراً لا يتوفر على الحد الأدنى من المقومات الموضوعية التي تضمن نجاحه وعدم تحوله إلى فخ يطبق عليها. لكن النظام السوري لن يعدم وجود أناس قادرين على ملء مقاعد المعارضة الشاغرة، من أصحاب المصالح والطامحين إلى لعب دور أو اقتناص فرص لا تتوفر دائما، وإذا كانت هناك ضرورة لن يكون من الصعب اختلاق معارضة من العدم. لكن في هذه الحالة لن يكون الحوار حواراً بين سلطة ومعارضة أو بين أطراف مختلفة الرأي بهدف الخروج من الأزمة، وإنما حوار النظام مع ذاته، وبالتالي قطع الطريق على الحل السياسي والتحضير لسياسة التصعيد العسكري الذي لايزال وحده البارز في الأفق اليوم.
الانتفاضــات الشــعبية العربيــة.. والســودان:
بين قمع الأنظمة وlaquo;إغراءاتraquo; انفصال الأقليات
طلال سلمان
السفير اللبنانية
بينما تشهد الأرض العربية مجموعة من الانتفاضات التي تزلزل واقعها الديموغرافي، وبالتالي السياسي، انسلخ جنوب السودان عن شماله بهدوء لافت لتقوم في المحيطين العربي والإفريقي دولة جديدة لم يكن لها، حتى الأمس القريب، تاريخ مستقل ولا بنية اقتصادية واضحة ولا هيئة اجتماعية محددة، بمعنى وحدة الشعب والأرض.
ومع التنويه بهذا التسليم العربي الجماعي بواقع الانقسام ومبادرة الدول العربية - وفي مقدمها السودان - الى الاعتراف بالدولة الجديدة التي بادرت إسرائيل الى احتضانها وهي laquo;مشروعraquo;، ثم سبقت الى الاعتراف بها laquo;دولةraquo;، فمن الضروري التنبه الى مخاطر هذه laquo;السابقةraquo; على مستقبل الكيانات العربية التي ترجّها الانتفاضات وعجز الأنظمة عن تلبية طموحات شعوبها، مما يترك الباب مفتوحاً للتدخل الأجنبي، او حتى لطلبه مباشرة إذا ما تقاعست laquo;الدولraquo; او ترددت في اقتحام الأرض المشتعلة بالغضب.
واضح ان تشليع السودان الى دولتين ليس نهاية المطاف... فهناك جهات أخرى من هذا البلد - القارة تعيش حالة من الاضطراب لا يستبعد ان تتفاقم خطورة ودموية الى حد طلب الانفصال عن الدولة المركزية التي كانت أوسع الدول العربية مساحة والمرشحة لان تتوزعها الأعراق والقبائل والعناصر، التي لا يكفي الدين الحنيف لان يكون وحده قاعدة توحدها في دولة واحدة... لا سيما في ظل حكم دكتاتوري، يرى ان استمراره في السلطة، أهم بما لا يقاس من وحدة الوطن ودولته.
بل ان تقسيم السودان يقع بالمصادفة (؟) بينما الأرض العربية، مشرقاً ومغرباً تمور بالانتفاضات الشعبية المنادية بإسقاط الأنظمة المعتقة والمتهالكة والتي يرفض العديد من قادتها الطغاة تلبية مطالب شعوبهم، او يتحايلون عليها بإصلاحات جزئية ودون مستوى الطموح، وغالباً ما تعلن بعد ان يتجاوزها laquo;الشارعraquo; فتؤدي الى رد فعل عكسي، اذ يتعاظم غضب الجماهير إزاء الاستهانة بها ومحاولة الالتفاف على مطالبها المحقة.
قد لا يكون السودان بتركيبته السكانية المتنوعة والمتعددة الأصل هو النموذج المثالي للدولة المركزية العربية، آخذا بالاعتبار مساحته الشاسعة وانعدام وسائط التواصل والاتصال، والفقر، والتخلف.
لم يعرف السودانيون يوماً بلادهم بالكامل. ولم يفهموا منطقاً موضوعياً لهذه الخلطة السكانية بالمدى الجغرافي المفتوح بأكثر من القدرة على استيعابه في دولة مركزية هشة التكوين، ضعيفة الامكانات، لا تستطيع الوصول بأجهزتها الإدارية والتنفيذية الى جهاته البعيدة وإلى laquo;شعوبهraquo; المتعددة اللهجات، المتنافرة الأعراق بقبائلها ذات الجذور الأفريقية التي لا صلة لها بالعروبة او حتى بالإسلام. ظلت العلاقات بين الجهات وlaquo;شعوبهاraquo; ما كانت قبل الاستقلال: عمادها الأساس التجارة، وميدانها في الجنوب الرعي، والحدود بين الجهات هي حدود انتشار القبائل...
ولم يعرف السودان المسيحية ديناً إلا في الحقبة الاستعمارية الأخيرة، ثم نشطت فيه البعثات التبشيرية التي اصطنعت له ولسائر الأفارقة laquo;مسيحاً اسودraquo; كوسيلة ترويجية... وها نحن نلمس أثر هذه البعثات في جنوب السودان الذي اعتبرته دولته الجديدة laquo;مسيحيةraquo; بمعزل عن ان الأكثرية الساحقة لا تعرف الا عباداتها القديمة وآلهتها التي أخذتها عن الأجداد والتي لا صلة لها بالأديان السماوية المعروفة، بل هي أقرب الى التقاليد التي يمكن نسيانها او إهمالها او استبدالها بأخرى حديثة أكثر توهجاً بموسيقاها ذات الإيقاع الصحراوي المنغم.
[[[
كيف يمكن قراءة انفصال جنوب السودان عن شماله، في هذه اللحظة السياسية؟
بغض النظر عن المعطيات السودانية الداخلية لهذا الحدث الخطير، وعن تداعياته المحتملة عربياً وأفريقياً، فلا بد من تسجيل عدد من الملاحظات التي تتجاوز السودان الى ما حوله من أقطار عربية أساساً، تعيش كياناتها السياسية حالة غير مسبوقة من الاضطراب تنذر بتداعيات قد تتجاوز سلطاتها الحاكمة الى أساسيات واقعها الجيوبوليتيكي.
ان عدداً من الكيانات السياسية العربية تشهد تصادماً مرشحاً للتصاعد حدة بين أنظمتها الحاكمة وبين المعارضات المتعددة التوجهات، والمفتوحة على الخارج، مما قد يطرح مستقبل هذه الكيانات على بساط البحث.
وإذا كانت الانتفاضة الشعبية قد نجحت في كل من تونس ثم مصر بإسقاط النظام من دون تعريض الكيان السياسي للخطر، إما نتيجة لمتانة الوحدة الداخلية، وإما لركاكة النظام الذي كان قائماً، او ربما بسبب عدم تنبه قوى الهيمنة العالمية لمثل هذه الأحداث المفاجئة وتطورها الذي انتهى بسقوط الطاغية في تونس والقاهرة بأسرع من التوقع...
... فإن الانتفاضات المشتعلة او التي في الطريق والتي تتصاعد في دول عربية أخرى، والتي تواجهها الأنظمة المعنية برصاص القتل وبالاعتقالات الجماعية، وبرفض الحوار مع المعارضين، او بتقييده بشروط لا يمكن قبولها، قد تندفع - بوعي او بردود فعل كيدية - الى منزلق المطالبة بالانفصال، او بمحاولة laquo;الاستقلالraquo; بجهات تضم اكثريات دينية او طائفية او عشائرية او عنصرية، عن الكيان السياسي القائم، تاركة للعناصر الأخرى أن تقرر مصيرها بشكل مستقل عنها.
إن اليمن يعيش، هذه اللحظة، في قلب الخطر على كيانه السياسي. ففي ظل الصراع على السلطة استعان laquo;الرئيسraquo; المفرد، كما استعان معارضوه المتعددو التوجهات، بكل الأسلحة: القبائل، التي لها تاريخ في المخاصمات والتي لم تعرف الدولة ولم تتعرف اليها الا مؤخراً، وباعتماد النمط laquo;الأماميraquo; السابق على قيام الجمهورية: الولاء لمن يدفع أكثر.. فادفع بالتي هي أحسن!
ولأن laquo;دولة الوحدةraquo; هشة التكوين، وقد قامت بالحرب بين laquo;الشمالraquo; وlaquo;الجنوبraquo;، فإن النزعة الانفصالية التي لما تمت، قد انتعشت في ظل الصدامات بين ميداني المعارضة والموالاة، وقد وجدت كل laquo;قوةraquo;، سواء اتخذت شكل laquo;الحزبraquo; او شكل laquo;التمرد العسكريraquo; لبعض التشكيلات العسكرية، من يساندها ويحميها ويؤمن لها مقعداً في laquo;مجلس الوصايةraquo; على مستقبل اليمن، وهل تكون دولة واحدة او تتوزع دولاً على افرقاء النزاع بميادينهم المختلفة؟
لافت طبعاً ان السفير الاميركي قد شكل laquo;مرجعية سياسيةraquo; لأطراف النزاع جميعاً، فكان يشارك في جلسات الحوار بين طرفي النزاع، السلطة ومعارضاتها، ويبدي رأيه وملاحظاته على مشاريع الحلول المقترحة قبل ان يتطوع مجلس التعاون الخليجي للدخول وسيطاً... وهو الذي امتنع طوال عقدين عن النظر في طلب انضمام فقراء اليمن الى ناديه المذهب، بحجة انها - بثقلها البشري وبملايين المعوزين فيها - قد تفسد أناقة هذا المجلس الملكي... خصوصاً أنها laquo;جمهوريةraquo; استولدتها الثورة، فكيف يمكن جمع الماء والنار؟
وفي هذه اللحظة يسود التخوف من ان تفرض التطورات الدموية التي تشهدها سوريا ورفض المعارضات المتعددة التوجهات مبدأ الحوار مع النظام، الذي تأخر أكثر مما يجب في عرض برنامجه للإصلاح السياسي، ارتفاع الأصوات الانفصالية متذرعة بالتعدد في المجتمع السوري، سواء على مستوى العناصر (عرب، أكراد، سريان، أرمن) او على مستوى الأديان والطوائف (مسلمون، سنة وعلويون وإسماعيليون ودروز وشيعة، ومسيحيون، أرثوذكس وموارنة وكاثوليك ونسطوريون ويعاقبة وسريان الخ..)
وبرغم ان الشعب السوري ما زال شديد التمسك بوحدته الوطنية وبكيانه السياسي، فإن laquo;الدولraquo; قد عودتنا اللعب على أي انقسام، سياسي او عنصري او طائفي، ان لم يكن للتحريض على الانفصال فمن اجل الضغط على الدولة المعنية لتغيير توجهاتها السياسية بما يتلاءم مع مصالح الخارج، عن طريق تزوير مطلب إصلاح النظام وتحويره الى مطالبة الأقليات بحق تقرير المصير الذي قد يتخذ شعاراً: الاستقلال بدولة لكل عنصر او لكل طائفة، او بدولة اتحادية بديلاً من الدولة المركزية الواحدة الموحدة.
وها هي تجربة العراق قائمة وقابلة للتكرار..
لقد laquo;قبضraquo; الاحتلال الاميركي من العراقيين جائزة تخليصهم من حكم laquo;الطغيانraquo;... وكان عليهم، بداية، ان يدفعوا الثمن في laquo;استقلالraquo; الأكراد بإقليمهم في الشمال. ومع ان هذا laquo;الإقليمraquo; لم يصبح دولة بالمعنى الحرفي لكلمة دولة، الا انه لم يعد قطعاً جزءاً لا يتجزأ من دولة العراق، بل بات له كيانه الخاص: يأتيه الرؤساء فيستقبلون في المطار رسميا، فوق منصة الشرف، ويعزف النشيدان. ويتم استعراض حرس الشرف و... وإذا ما أراد المسؤولون في بغداد (عاصمة الدولة المركزية) أن يزوروا الإقليم، فضلاً عن أي مواطن غير كردي، فإن لذلك إجراءات خاصة وتدابير استثنائية وتراخيص الخ.
.. وليس سراً ان بين laquo;السنةraquo; من يرفع شعار الاستقلال بإقليم خاص، وأن بين laquo;الشيعةraquo; من يرحب بتقسيم العراق أقاليم... والأقاليم طوائف او عناصر قواعد مستقبلية للهيمنة الاميركية ومعها دائماً إسرائيل.
يعيش العرب مرحلة جديدة في تاريخهم الذي لم يكتبوه وحدهم، بل كثيراً ما كتب لهم، وفي كيانات لم ينشئوها بإرادتهم، بل هي قد أنشئت لهم، ولم يكن أمامهم مفر من ان يرتضوها..
وحرام ان تحمل الانتفاضات تبعة فشل الأنظمة في حماية كياناتها التي صورت - زوراً - وكأنها ثمرة النضال الاستقلالي، لكن من الظلم ان يكون شرط الوحدة الطغيان وأن يكون الانفصال هو المدخل الى التحرر والتحرير!