سمير عطا الله
كانت لماوتسي تونغ في الماضي صورة بطولية خارج الصين، وخصوصا في العالم العربي. وقد تطلع إليه العرب، وخصوصا الفلسطينيين، كرمز من رموز التحرر من الاستعمار. وذهب إليه القياديون الفلسطينيون يطلبون البركة والمشورة، ويفاخرون بما نصحهم به. وأحبه اليساريون في أوروبا، وخصوصا في فرنسا، حيث انضم إلى laquo;الماويينraquo; رجال مثل جان بول سارتر. ورأى بعض اليسار الأوروبي في موسكو عاصمة رجعية وفي بكين راية التقدمية. وحاولت أمم كثيرة تقليد laquo;المسيرة الكبرىraquo;، أي حملة ماو الأولى لتوحيد الصين تحت راية الحزب الشيوعي، كما مجدت laquo;القفزة الكبرى إلى الأمامraquo;، حملة ماو الثانية (1958-1962) للقضاء على المجاعة وتحويل الصين إلى دولة صناعية.
لكن دراسات وأبحاثا كثيرة أخذت تشكك شيئا فشيئا في نجاحات ماو، وخصوصا في مواقفه الإنسانية من شعبه. واتهم بأنه، إلى جانب ستالين، بل يتقدم ستالين في عدد الذين تسبب أو أمر بقتلهم. وكان ينظر إلى تلك الأبحاث على أنها جزء من الحرب الباردة والمعارك الإعلامية. المثير في الكتاب الجديد laquo;قفزة ماو الكبرى إلى المجاعةraquo; أن مؤلفه الهولندي، فرانك ديكوتر، استند كليا إلى الأرشيف الصيني، من موقعه كأستاذ في جامعة هونغ كونغ. أدت laquo;القفزة الكبرىraquo; إلى مقتل 45 مليون صيني في عملية استعباد لا مثيل لها. اضطر الفلاحون الجائعون إلى أكل التراب وكلس الجدران، وأحيانا إلى التهام بعضهم البعض. باعوا أطفالهم من أجل بضعة أرغفة وأمر ماو ورفاقه، الذين لا يفقهون شيئا في الزراعة، بإتلاف غابات كاملة وتدمير مئات الآلاف من البيوت لتحويلها إلى سماد. وأقدم مليونان إلى ثلاثة ملايين شخص على الانتحار جوعا أو حزنا على أولادهم الذين يموتون أمامهم.
كان ماو يحلم باللحاق بالدول الأوروبية من خلال تسخير قوة عاملة من مئات الملايين. وبدل أن يحذو حذو السوفيات بتحقيق التصنيع أولا، قرر أن يمضي في التصنيع والزراعة معا: laquo;السير على ساقين، بدل ساق واحدةraquo;. ومن أجل ذلك جرد ملايين الناس من بيوتهم وحقولهم وتم توزيعها على التعاونيات الجماعية، وفقا لـlaquo;الجدارة والاستحقاقraquo; وترك الملايين الآخرين يموتون تعبا وجوعا وإنهاكا. تجاوز ماو، حسب الأرشيف الحزبي، جميع الذين ارتبطت أسماؤهم بالإبادات الجماعية، من هتلر إلى ستالين. ولم يكن بول بوت في كمبوديا سوى تلميذ صغير وبائس، عندما قتل 3 ملايين رجل في العاصمة بنوم بنه وحولها إلى معرض للجماجم ثم أمر الجميع بالنزوح إلى الأرياف والحقول. سعى الحزب الشيوعي الصيني إلى إخفاء الوثائق التي تكشف جحيم laquo;القفزة الكبرىraquo; وسواها، لكن وصول ديكوتر إلى الأرشيف الصيني رسم صورة مريعة لعمليات التجويع والتسخير، وللملايين الذين ماتوا ضعفاء ومرضى وعجزة، بالإضافة إلى مئات الآلاف الذين قتلوا عمدا بسبب وشاية أو شكوك في الولاء، أو إهمالا، أو متهمين بالتقصير. باختصار: كتاب مفزع، عن رجل لا نزال نرفض أن نصدق حتى وقائعه.
التعليقات