نايف بندر اللافي

أعلن أحد التكتلات الرئيسية في مجلس الأمة وبكل وضوح أنه يسعى الى إسقاط ورحيل سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد. كما تتناقل الصحف بعض الدعوات، ومنها لكتاب محسوبين على هذا التكتل، المطالبة برئيس وزراء شعبي. ويسوق هذا الحل أو الحلين: تغيير رئيس الوزراء بشخصه وتعيين رئيس وزراء شعبي، على أنهما العلاج الناجح لمشاكل الكويت. فهذا التغيير سيؤدي إلى القضاء على الفساد والرشوة، والمضي في التنمية، وعلاج الترهل الإداري في الدولة، ومعالجة الخلل الهيكلي في الميزانية، وسينخفض الباب الأول في الميزانية تلقائياً إلى أقل من ربع الميزانية الحكومية بعد أن كاد أن يلتهمها بالكامل . كما سيتطور التعليم والصحة، وستنتهي الواسطة والمحسوبية، وسيعف أعضاء مجلس الأمة عن المطالبة بتعيين المحسوبين عليهم وزراء وقيادات في الحكومة، وسيخلون المجال أمام الرئيس الجديد لتعيين من يرى فيه الكفاءة للمنصب الحكومي، كما ستنتهي الطائفية والقبلية، ولن نري المساجلات والخلافات داخل مجلس الأمة ولا الاستجوابات او التازيم . كما ستتغير أخبار الصحف فلا نقرأ إلا ما يسر من أخبار، وربما ستتحسن حرارة الطقس صيفاً وسينزل المطر في الشتاء .
لا شك أن تحميل سمو رئيس الوزراء بشخصه، أو بالتضامن مع حكومته، مشاكل الكويت هو ظلم فادح وخطأ في تشخيص أسباب المشكلة لا يؤدي إلا إلى الدوران في حلقة مفرغة. ولابد لنا أن أردنا أصلاحاً من وقفه جادة مع النفس، لا تقف عند مظاهر المشكلة بل تغوص في أسبابها الدفينة كي تستنبط الحلول الناجعة.
لا شك أن نظامنا الديمقراطي الحالي، الذي لا يعطي الحكومة أغلبية ثابتة داخل البرلمان، لا يسمح لأي حكومة بالعمل ولا الانجاز . ولا أعتقد أن أي حكومة في العالم، مهما كان رئيسها وأعضاؤها، قادرة على العمل والانتاج وهي تأتي لجلسات برلمان تتغير أهواؤه وبرامجه كل يوم، ويميل مع ميلان الريح لا تحكمه برامج ولا كتل ثابتة ولا طلبات محددة.
وأنا هنا لا القي اللوم على أعضاء مجلس الأمة ولكن اخطيء النظام العام نفسه. ولمزيد من التوضيح يجب أن نتفق جميعاً على أن أهم أنجاز يسعى اليه أي عضو مجلس أمة في اي دورة برلمانية، هو أن يعاد انتخابه في الدورة التي تليها . هذه هي الحقيقة، وهذه هي طبيعية الأشياء، وأي تحليل لا ينطلق من هذا الواقع، ولا يسلم بهذه النتيجة، لن يصل إلى أي هدف. لذا يحرص كل عضو مجلس أمة على إرضاء ناخبيه وهؤلاء بدورهم يريدون لأنفسهم الأفضل، كالكوادر والمسميات الوظيفية والإسكان والعلاج في الخارج وقبول الابناء في معاهد الدراسة العليا والوظائف الحكومية. كما يريد هؤلاء الناخبين لوطنهم الأفضل، كالقضاء على الفساد والمحسوبية وإحلال العدل وتكافؤ الفرص وتطبيق القانون وضبط المصروفات والمستقبل الأفضل للوطن. وهم فوق هذين المطلبين المتناقضين غير مستعدين للتنازل عن أي منهما. لهذا نرى مجلس الأمة بالمجمل يأخذ باليمين ما يعطي بالشمال، ويعد نهارا ويلحس وعده ليلا. فنجده أشد الساعين بالواسطة والاستثناء من القانون والتدخل في التعيينات والتشكيلات الوزارية، وفي نفس الوقت أشد الخصوم في الأسئلة البرلمانية والاستجوابات والتهديد بحجب الثقة عند عدم تطبيق القانون . بل أن كثير من الأعضاء المحترمين يستخدمون التهديد بالاستجواب وطرح الثقة، تلك الأداة الدستورية العظيمة، في الحصول على المميزات الخاصة لهم ولناخبيهم، خارقين مبادئ القانون والعدالة الاجتماعية . ويصل الأمر الى اختلاق المواجهات مع الحكومة وتصعيد الخلافات حتى يظهر البعض بمظهر الأبطال أمام الناخبين دون مراعاة لمصلحة الوطن التي غلبت عليها المصلحة الخاصة. وهل الاحتقان الطائفي والفئوي الا بسبب خلط المصالح الخاصة بالوطنية. وهل التشكيلات الوزارية المتعددة خلال الفترة البسيطة الماضية إلا مظهر لهذا الخلل.
أن الحكومة في الكويت تولد مشوهة منذ اليوم الأول لتشكيلها. حيث يجب أن يراعي فيها سمو رئيس مجلس الوزراء، او أى رئيس آخر، أن تكون ممثلة لعدد كافي من الكتل النيابية حتى يضمن لها القبول والقدرة على العمل. هذا والا لن تحصل على الثقة منذ اليوم الأول . إلا أن هذه الكتل التي لا يربطها حزب ولا يحكمها برنامج عمل، تتغيير أولياتها من يوم لآخر، كما أنها لا تستطيع أن تظهر بمظهر الداعم الدائم لحكومة تعلم مسبقاً بفشلها وسقوطها المحتم.
ويصل الأمر أن تستغل بعض الكتل ممثليها في مجلس الوزراء لمعرفة ما يدور داخله ومحاولة قطع الطريق وإستباق الخطط الحكومية لتسجيل النقاط، فيما يشبه مباراة لكرة القدم في بطولة ليس لها منظم ولا نهاية ولا كاس بل ولا فائز، فالكل خاسرون إلا من استفاد شخصياً بضمان اعادة انتخابه. إذا فالجمود السياسي الذي نعيشه اليوم يدفع بأعضاء مجلس الأمة دفعاً للحرص على المصلحة الشخصية, ويواجه المخلص منهم القرار الصعب بأن يكون من القلة الساذجة المتفرجة على المسرحية الاليمة.

ثم نطالب الحكومة ويطالبها معنا السادة أعضاء مجلس الأمة بمحاسبة الفاسدين والضرب بيد من حديد على تجار المواد الغذائية الفاسدة ومهربي المخدرات والمعتدين على القانون، بينما يتسابق نفس السادة الأعضاء المحترمين لمنع الحكومة من تطبيق القانون ومحاسبة المفسدين كونهم محسوبين عليهم أو من ناخبيهم.
لن يعالج مشاكلنا رحيل سمو رئيس الوزراء ولا الآتيان برئيس وزراء شعبي. أننا أمام مشكلة هيكلية تتعلق بنظام الحكم الذي يجمع بين الرئاسي والبرلماني والذي ربما كان مناسباً في الماضي إلا أنه بحاجة للتغيير الان.
لا أدعو إلى تغيير الدستور، ليس تقديساً له ولكن خوفاً من أن يتم استغلال هذا التغيير لمصالح غير المصلحة العامة. ولا أرى أن السادة أعضاء مجلس الأمة الأفاضل، والذين وصلوا بحكم الوضع القائم وتأقلموا عليه، قادرين أو حتى راغبين بتغيير وضع يخدمهم في المقام الاول. ورغم وجود نسبة من بينهم من المستعدين للتضحية بمصالحهم، الا اننا نتكلم عن المجموع وليس عن الأفراد . كما أنني لا أتوقع شيئا يذكر من مؤسسات المجتمع المدني التي أراها عقيمة وغير قادرة حتى على تنفيذ أنشطتها الخاصة . أما الحركات الشبابية فالخطر كل الخطر في أن يبلغ بهم اليأس حداً يجعلهم يتبنون قضية بخطورة تعديل الدستور. فليس الدستور مما يمكن تعديله بالهتافات والمظاهرات والخطب الرنانة، والتي سيرتقي على ظهرها كل صاحب مصلحة، وكل ناعق في بوق، وكل من يريد أن يصب الزيت على النار . إذن فأين الحل؟؟!!