لكي تدرك لماذا لم تهب رياح laquo;الربيع العربيraquo; إلا على نحو عابر على دولة الإمارات العربية المتحدة، ما عليك سوى الإصغاء لدقيقة لمهندس الكهرباء ناصر الحمادي وهو يتساءل: ماذا ينقصنا بعد؟ لقد وفّرت لنا الدولة كل شيء.. تعليم، رعاية صحية بل سكن مجاني، ولم يعد هناك ما نحتاج إليه بالفعل.
هذا الرأي تكرر في الواقع على لسان حوالي 150 رجلاً آخر تجمعوا خارج مبنى المحكمة الفيدرالية العليا في أبوظبي خلال مظاهرة نادرة وفي أجواء حارة صباح يوم الاثنين الماضي، وأخذوا يهتفون لأمير دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان وهم يلوحون بأعلامهم الوطنية ولافتات تحمل صور الأمير وولي عهده الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
وفي داخل مبنى المحكمة كان هناك خمسة مفكرين إماراتيين تم سجنهم منذ أبريل ويواجهون اليوم اتهامات بارتكاب أعمال تثير تهديداً لأمن الدولة، وذلك بمحاولتهم تقويض النظام العام، معارضة نظام الحكم وشتم المسؤولين.
يقول خالد الحسيني، وهو إماراتي آخر من المشاركين في التظاهرة: نحن الإماراتيون نادراً ما نتحدث مع وسائل الإعلام، لكننا جئنا الى هنا لإسماع أصواتنا وبأننا لا نريد من هؤلاء المتهمين التحدث باسمنا.
من الواضح أن ثروة الدولة وغايتها بمواطنيها أبقتها بعيداً عن الضغوط الاقتصادية التي أشعلت شرارة الاضطرابات في تونس ومصر. فالفرد في هذه الدرلة يتمتع بأعلى دخل بالعالم.
وتتكفل خزينة الدولة بتلبية حاجيات مواطنيها من سكن مجاني، رعاية صحية، تعليم ودعم سخي لأسعار الطاقة.
كما أن أسلوب الحكم الذي يجعل المواطنين على علاقة وثيقة مع الأسر الحاكمة، أسهم أيضاً في تبديد أي شعور بالاستياء بين الناس. لذا، بينما كانت الدماء تسيل بدءاً من مصر وحتى البحرين واليمن المجاورة كان الهدوء يخيم على شوارع مدن الإمارات.
شروخ
لكن تحت هذا الاستقرار الظاهري كانت هناك شروخ صغيرة دفعت الحكومة لاتخاذ بعض الإجراءات الصارمة ضد جهد رأت فيه تهديداً على نحو ما.
فقد لجأت السلطات لإغلاق موقع laquo;حوارraquo; على الانترنت الذي دعا العديد من المدونين من خلاله لقيام نظام ملكي دستوري وتعزيز الديموقراطية ثم توّج هؤلاء المدونون نشاطهم هذا بتقديم عريضة تضمنت هذه المطالب وقّع عليها 133 مواطناً في شهر مارس.
وبحلول ابريل، حلت الحكومة جمعية المدرسين ورابطة المحامين اللتين تشكلان أبرز المجموعات غير الحكومية في الدولة وذلك بعد أن وقع أعضاؤها على عريضة تطالب بالإصلاح. ثم ما لبثت الشرطة أن ألقت القبض على المتهمين الخمسة المشار إليهم سابقاً وهم: المهندس أحمد منصور وهو عضو في منظمة حقوق الإنسان، ناصر بن غيث المحاضر في فرع جامعة السوربون في أبوظبي والنشطاء فهد سالم دالك، أحمد عبدالخالق وحسن علي الخميس.
وكانت المحكمة قد استمعت يوم الاثنين الماضي لأقوال بعض الشهود خلال جلسة امتدت 5 ساعات ثم تقرر استئناف المحاكمة في الـ25 من يوليو.
رشوة
بيد أن أكثر ما أثار دهشة مؤيدي الحكومة الذين تجمعوا خارج مبنى المحكمة كان قول البعض إن حكام البلاد عمدوا الى رشوة الجماهير من خلال برامج عالية اجتماعية سخية كي يحافظوا على الهدوء والأمن. لكن علي صالح المنصوري، الذي يعمل في مطار أبوظبي الدولي، يرفض هذا الزعم بالقول: أستطيع التعبير عن آرائي كيفما أريد، ولا أحد عرض عليّ الرشوة.
غير أن عملية استطلاع الآراء، التي نظمها الشهر الماضي منتدى مناظرات الدوحة في قطر، أظهرت أن الكثيرين من مواطني بلدان الخليج العربية لا يحبذون التحدث ضد حكامهم، وهذا أمر يتباين مع ما ذكره مواطنو البلاد العربية الأخرى في شمال افريقيا والشرق الأوسط التي هبت عليها رياح laquo;ربيع العربraquo;. فقد ذكر هؤلاء في الاستطلاع أنهم يشعرون اليوم أنهم أكثر حرية ويتمتعون ببيئة سياسية أكثر انفتاحاً.
على أي حال، ثمة إماراتيون يؤكدون ان لديهم نوعاً من الديموقراطية يتناسب مع مجتمعهم، إذ أن مكاتب حكامهم مفتوحة دوماً أمام المواطنين الراغبين بإسماع أصواتهم للمسؤولين. ويضيف هؤلاء بالقول: نحن أحرار في انتقاد أي مسؤول لكن شرط أن يتم هذا الانتقاد بطريقة صحيحة ومن خلال احترام ثقافة البلد.
تعريب نبيل زلف
التعليقات