لندن


زعامة الولايات المتحدة الامريكية للعالم، وتحكمها بمقدراته، بدأت تتآكل بدءا من احتلالها للعراق، ومرورا باطاحتها بنظام طالبان في افغانستان، وانتهاء بارتباكها تجاه التدخل الاطلسي في الحرب الجارية حاليا في ليبيا تحت عنوان الديمقراطية ومحاولة تغيير نظام ديكتاتوري فيها.
الرئيس الامريكي باراك اوباما يحاول جاهدا تغيير صورة بلاده في العالم اكثر مما يحاول التدخل لتغيير الانظمة الديكتاتورية ونشر قيم الديمقراطية، ويعتمد في هذا الميدان على السيدة هيلاري كلينتون وزيرة خارجيته ومنافسته على ترشيح الحزب الديمقراطي لخوض الانتخابات الرئاسية الامريكية الماضية. السؤال الذي يطرح نفسه هو ليس عما اذا كانت ادارة الرئيس اوباما قد نجحت في هذا التوجه، بل عما اذا كانت زعامتها ما زالت قادرة على الاستمرار وتجنيد الحلفاء الى جانبها ايضا.
اللافت ان ادارة اوباما تخلت عن الكثير من شعارات الادارة التي سبقتها (ادارة الرئيس بوش الابن)، فلم تعد الحرب على الارهاب احد ابرز اولوياتها، بل انه من النادر ان نسمع او نقرأ هذا التعبير في اي من بيانات او تصريحات المسؤولين فيها. فالرئيس اوباما يرى ان هذه الحرب يجب ان لا تكون من مسؤولية الولايات المتحدة وحدها، وانما تحتاج الى تعاون العالم باسره باعتبارها قضية اممية يجب ان توحد العالم للالتفاف حول الزعامة الامريكية لمواجهتها.
رؤية الرئيس اوباما للحرب على الارهاب لم تعد تجد تفهما او حتى مساندة من مختلف دول العالم، كما ان زعامة امريكا لهذه الحرب باتت موضع شك، فهناك قوى عظمى جديدة بدأت تفرض نفسها بقوة على الخريطة العالمية، مثل البرازيل والهند والصين، وروسيا الاتحادية، مضافا الى ذلك ان الحرب الامريكية على الارهاب بعد عشر سنوات من اطلاق رصاصتها الاولى في افغانستان، باتت تنتقل من فشل الى آخر.
صحيح ان الولايات المتحدة ما زالت القوة العسكرية الاعظم في العالم ومدعومة باقتصاد ما زال هو الاكبر، ولكن الصحيح ايضا ان هذه القوة لم تعد تتمتع بحرية الحركة، مثلما كان عليه الحال في الماضي بسبب القيود الداخلية الناجمة عن فشل حروبها في العراق وافغانستان والتكاليف الباهظة لها والمقدرة باكثر من تريليون دولار حتى الآن.
ولم يكن مفاجئا ان يرفض الكونغرس السماح لادارة اوباما بالتدخل عسكريا بشكل مباشر في الصراع الدائر حاليا في ليبيا، او توفير الاعتمادات المالية اللازمة له لتغطية اي نفقات عسكرية، وقرأنا تصريحات لروبرت غيتس وزير الدفاع الامريكي تطالب دول حلف الناتو بالاعتماد على نفسها وعدم التعويل على الادارة الامريكية لدعم مجهودها الحربي في ليبيا او اي مكان آخر، لان مشكلة ليبيا هي مشكلة اوروبية.
بعد ما يقرب من العشر سنوات على الحرب على الارهاب، وبالتحديد منذ هجمات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) عام 2001، ما زالت الادارة الامريكية تلعق جراح حروبها الفاشلة، وتحاول جاهدة تقليص خسائرها، والحفاظ على هيمنتها كدولة عظمى، فهي ما زالت تخوض حروبا طويلة الامد لا يبدو ان هناك مخرجا قريبا منها، وهذا ما يفسر النهج الجديد لادارة اوباما في الابتعاد عن نهج ادارة بوش السابقة، من حيث اتباع سياسة خارجية تعمل على اشراك قوى اقليمية في هذه الحرب، او اي جبهات جديدة يتم فتحها، ويتضح ذلك بجلاء في تأسيس مجموعة الاتصال الدولية بشأن ليبيا، وتوريط دول عربية في الحرب التي يخوضها حلف الناتو حاليا الى جانب الثوار ضد العقيد معمر القذافي، مثل قطر ودولة الامارات العربية المتحدة، واستصدار قرار من جامعة الدول العربية في زمن السيد عمرو موسى لتوفير التغطية الشرعية لهذا التورط.
الامر المؤكد ان الزعامة الامريكية للعالم تتراجع بسرعة، والتفاف العالم حولها يتآكل، ويمكن تحسس ذلك بجلاء من خلال تمرد كل من روسيا والصين صراحة عليها، ورفضهما الدعوة لحضور اللقاء الرابع لمجموعة التواصل بشأن ليبيا الذي انعقد يوم الجمعة الماضي في اسطنبول، وانتقاد الدولتين لتجاوز حلف الناتو قرار مجلس الامن الدولي 1973 بشأن ليبيا من حيث قصف المدنيين وتغيير النظام في طرابلس.