خليفة راشد الشعالي

بين الفينة والفينة تَلوحُ بارِقَةُ أملٍ في سماء الوطن العربي الكبير، إلا أنها سُرعانَ ماتختفي وتتلاشى، معلنةً حالةً من اليأسِ والتشاؤم والإفلاس، وأنه لا فائدة تُرجى من حركة الشعوب المتطلعة إلى الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة . وللأملِ مثلما للأسى أسبابه ودوافعه، لهذا، تستمر القافلة في المسير، وتَجني الشعوب بعض ما تَتَطلعُ إليه ببطءٍ شديد، وتسكت وتهدأ ثورتها مضحية بأهدافها الكبيرة والكثيرة من أجل بعض المكاسب التي يتفضل بها عليها النظام، بحيث يوهمها أن كل الإصلاحات تحققت وأن كل طلبات الشعب مستجابة، وتستجيب هذه الشعوب لعواطفها واستغاثات أنظمتها المخلوعة لتقول، ldquo;عفا الله عما سَلَفrdquo;، بغية التغاضي عن جرائم أشخاص قهروها وسرقوا خيراتها وأزهقوا أرواحها ودنّسوا أعراضها وأفقروها من العزة والكرامة والشرف، مثلما أفقروا خزائنها، حتى صارت سلعاً تباع وتشترى . ليس من العدل العفو عن أنظمة افتقرت إلى الشرف والرحمة والعدل والإنصاف والكرامة، والقصاص العادل أولى حتى لا تعاود الأنظمة انتهاك الحرمات وعمل المنكرات والالتفاف على مطالب الشعب المشروعة .

كل شعوب العالم أذكى من أنظمتها . . الشعب الأمريكي أذكى من نظامه بعد ثورة الاستقلال، والشعب الفرنسي والإيطالي والبريطاني والأسترالي وكل شعوب الشرق والغرب أذكى من أنظمتها، هذه الشعوب ثارت على أنظمتها المستبدة لتأتي بأنظمة حكم تخدم مجتمعاتها وفق مصالحها العليا وخدمة مواطنيها، والدليل هو أن الأنظمة الجديدة حققت بعد الثورات تنمية في كل المجالات، أما شعوبنا في الوطن العربي حتى الآن فقد تخلّفت عن ذلك .

الشعب في مصر أسقط شخص الرئيس وثلة قليلة من نظام حكمه، ووضع بعضهم في سجن ldquo;ليمان طرهrdquo; وعفا - مؤقتاً - عن زوجة الرئيس، وأبقى الرئيس المخلوع في مستشفى عشرة نجوم في منتجع أعده سلفاً ليكون ملجأ له ولأولاده وزوجته وحفنة من التابعين له، وسكت عن نائب الرئيس رئيس المخابرات السابق وكثيرين غيره، وتجاهل لوقت طويل، بعض رموز النظام السابق في حكومتي شفيق وشرف .

ضاعت أموال مصر، ودائنوها يدقون الأبواب طلباً للسداد، ومؤسسات الإقراض الدولية مستعدة للدفع شريطة أن تُرهَن الثورة، وتُحمى مصالح الكيان الصهيوني ويتدفق الغاز المصري إليه، بينما خزائن النظام السابق تفيضُ بالكفالات والرشى في إسبانيا وغيرها لتحمي أركاناً في النظام السابق، بينما مصر تحتاج إلى هذه المليارات المنهوبة للوقوف على قدميها .

لا يمكن ولا يجوز لأحد أن يشكك في ذكاء الإنسان المصري، والذكاء الجمعي عند ثوار مصر وأحرارها ومنظري الثورة وعلمائها، ذكاء يتفوق على كثير من الثورات، إلا أن عاطفة الإنسان المصري تبدو غالبة بعد مرور أشهر من الثورة، ولهذا يظهر جلياً أن الثورة في مصر لا تسير إلى المدى المأمول، ويخشى أن تقف في منتصف الطريق أو تكاد .

نجاح الثورة في مصر يعني استقلالية القرار المصري، واتخاذ القرارات التي تخدم المصلحة المصرية العليا، وقيام مصر بدورها الريادي في المنطقة وفي العالم، لهذا فإن التحديات التي تواجه الثورة فيها كبيرة، ومحاولات تعطيل الثورة والالتفاف عليها تعيد إلى الأذهان تلك المحاولات التي أعقبت ثورة الثالث والعشرين من يوليو عام 52 من القرن المنصرم . وإذا كانت ثورة 2011 وشبابها وروادها يخافون من سلبيات ثورة ،52 فإنه من الواجب عليهم ابتكار أسلوب جديد يضمن وقوف الشعب والقوات المسلحة معهم في صف واحد، بمسؤولية وتَحَمّلٍ لَلتَبِعَات، أسلوب يُطهّر مصر من عملاء أمريكا والكيان الصهيوني وتوابعها، وإذا لم يستطيعوا، فبكل أسى وحزن سيقول كل محبي مصر وعاشقي ترابها ونيلها إن الأيدي على القلوب خوفاً على مصر وثورتها .