القدس
يحتمل أن نكون نبكر قليلا المتأخر، ولعل هذا حتى غير أديب، ولكن لما كانت هذه هي الايام، الاسابيع أو الاشهر الاخيرة في حياة حسني مبارك، من المهم أن تعرف اسرائيل كيف تتعامل معه، بارثه وبالذكرى التي خلفها وراءه.إذ حتى لو لم تتعامل مصر التي قادها الرئيس منذ لحظة اغتيال سلفه أنور السادات قبل ثلاثين سنة، معه باحترام، فتدفنه في مراسيم عاجلة عديمة البهاء، فعلى اسرائيل أن تتعامل على نحو مختلف مع جارها الطيب من الجنوب وألا تدخل في اعتبارات اعجاب الحكم الحالي. فمصر تتعامل مع حكامها على نحو اسوأ مما تتعامل اسرائيل مع زعمائها. فتراث أنور السادات ايضا، وهو الذي فهم، ليس انطلاقا من محبة اليهود، بل انطلاقا من أن الحرب الدائمة مع اسرائيل ستقضي على المزيد فالمزيد من مقدرات مصر القليلة وهي التي تُعد شحيحة منذ سنين.
السادات لا يكاد يُذكر ولا يُخلد في بلاده ـ وقراره الدراماتيكي في منتصف السبعينيات بادارة ظهر المجن لموسكو والتوجه الى واشنطن، الى جانب التقدم الاقتصادي والانفتاح على الغرب، يعتبر اليوم بين جماهير واسعة هناك كاختيار للسير مع الكفار.
فور اغتيال السادات بدأت في اسرائيل سيناريوهات الرعب لليوم التالي، وعن خلفائه الذين لن يلتزموا بالاتفاقات الموقعة. الآن ايضا تنطلق ذات الاصوات والاقاويل من المشككين، ممن رأوا منذ الآن الحرب على الأبواب، وادعوا بأن اتفاق السلام هذا لم يكن يساوي شيئا، وكأن ثلاثين سنة من الهدوء على الحدود، نصف حياة دولة اسرائيل تقريبا، هو أمر يُستهان به.
ولكن مبارك، الذي أصيب هو ايضا في عملية الاغتيال وأمسك بالحكم لثلاثين سنة، ثلاثة اضعاف زمن سلفه السادات، نجح في كل الاختبارات التي وضعه الاسرائيليون أمامها، بل وأكثر من ذلك.
عندما دخل الجيش الاسرائيلي الى بيروت، في الانتفاضتين، في حرب لبنان الثانية، في اتفاقات اوسلو، عندما وقف على المنصة ووصف عرفات بكلمة مشينة، مثلما لم يتجرأ أي اسرائيلي على قوله. والآن، في الطريق الى موته الذي يكاد يكون يطلبه وهو في حالته، يُشتبه بمبارك مثلما هو الحال دوما عندما يحاول شعبه أن يجد لنفسه قاسما مشتركا موحدا بالعمالة، وباتفاق اقتصادي مع اسرائيلي، خفض لها سعر الغاز من جهة، وأدخل الى جيبه مالا كثيرا من جهة اخرى.
يحتمل ألا نعرف أبدا الحقيقة في هذه القضية، ولكن عندما نفكر بحل النزاع وبنموذج الجار العربي خلف الحدود، فان مبارك هو الذي كان ما أملناه، وعن حق وصفه بنيامين نتنياهو بالصديق.
ومثلما تعامل سلفه السادات بشجاعة وبشرف تجاه الشاه الايراني المهزوم ومنحه اللجوء، عندما نظر كل العالم بعيون لامعة مفعمة بالرومانسية حين وصف هبوط آيات الله الخميني في طهران، هكذا ينبغي لاسرائيل أن تتصرف مع مبارك في اليوم التالي.
اذا لم تتعامل مصر معه على نحو مناسب، فلنكن نحن على الأقل من نتعامل معه هكذا. بحكمة ولكن ايضا بحساسية. الايرانيون لم يغفروا للسادات بادرة استضافته للشاه، وفور اغتياله، أسموا أحد الشوارع الرئيسة في طهران على اسم قاتله (وبعد ذلك غيّروه الى محمد الدرة، الفتى الذي ليس حقا قُتل بنار جنود الجيش الاسرائيلي).
في حيفا أطلق قبل نحو سنتين اسم أنور السادات على ميدان في حي رموت بيغن. حيفا، من بين كل مدن اسرائيل، هي النموذج الأكثر نجاحا في البلاد على التعايش بين اليهود والعرب، في السياسة، في الرياضة، في الجيرة الطيبة وفي الحياة الثقافية. كما أن هذه هي المدينة التي ينبغي لها ذات يوم أن تتذكر مبارك.
معاريف 27/7/2011
التعليقات