نصر القفاص

اعتقادي أن الاحداث تجرفنا بموجة عبر موجة، دون أن تترك لنا لحظة نستوعب خلالها ما يجري حولنا.. وعندما يأتي وقت التفكير الهادئ سيعلم كل من أخطأ، أين وقع في الخطأ ولماذا.. سيعرف كل من تمكن من ضبط نفسه وايقاعه.. كيف تمكن من استثمار ما يحدث حوله؟!

المسافة بين البيان رقم (1) للقوات المسلحة، والبيان رقم (70).. لم تتجاوز الأشهر الستة.. خلال تلك الفترة طوينا صفحة حكومة الفريق laquo;أحمد شفقraquo;، وفتحنا كتاب الدكتور عصام شرف.. أنهينا الباب الأول في كتاب تلك الحكومة، ثم فتحنا الباب الثاني.. انتقلنا من زمن لجنة منع تشكيل الاحزاب.. ودخلنا في زمن اطلاق حرية تكوين الاحزاب.. تخلصنا من آلة مراقبة الاعلام وحظر إصدار الصحف والقنوات الفضائية.. فأصبحنا نعيش في زمن تصدر فيه الصحيفة بين طرفة عين واخرى.. وحدث الانفجار في السموات المفتوحة.. تتكاثر القنوات للثوار والفلول معاً.. وعرفنا عنون الحرية في ميدان التحرير والميادين المتفرعة منه عبر الوطن.. لم يعد التظاهر جريمة.. ولا الاعتصام مصيبة.. بل حتي سلاح الاضراب عن الطعام أصبح متداولاً، كما يتداول البلطجية والاجنحة العسكرية لبعض الاحزاب الآلي والكلاشينكوف!!

لم يعد هناك من يزعم أنه لا يجرؤ على الكلام.. ولم يعد هناك حزب محظور غير laquo;الحزب الوطني الافتراضيraquo; كما وصفته يوم 25 يناير من عام 2011.. انقلب الحال فأصبح حزب الاغلبية المزورة، ميراثا تطمع فيه أغلبية مزيفة!! وكلاهما وجهان لعملة واحدة.. فإذا كان laquo;الحزب الوطنيraquo; قد فقسه الرئيس الراحل laquo;أنور الساداتraquo;.. فإن حزب laquo;الحرية والعدالةraquo; قد فقسته جماعة الاخوان المسلمين!!.. لذلك اختلفت الصورة وبقيت مهزوزة!! فالحزب الوطني المنحل كان يحيط نفسه ببضعة احزاب يزعم أنها تؤكد الحياة الديمقراطية.. وعلى نهجه فقست جماعة الاخوان المسلمين حزبا خلقت من حوله بضعة احزاب نعتتها بأنها اسلامية وسلفية.. وبين كليهما ظهرت ما تطلق على نفسها الاحزاب العلمانية والليبرالية.. وفي خلفية الصورة شباب رفعناه على نار السياسة خلال تلك الايام القليلة.. أما الاحزاب التقليدية والقديمة فقد استوعبت ما يحدث حولها، لذلك راحت تبحث لنفسها عن موطئ قدم، خشية أن يفوتها القطار.. ولأنها صاحبة تجربة ووعي بما كان وما ستؤول اليه الامور.. خفضت من صوتها.. وكثفت حركاتها، وقبلت التحدي بالمناورة لكسب هؤلاء مع الحرص على عدم خسارة اولئك!!

صنع تلك الصورة المجلس الاعلى للقوات المسلحة، وكانت أفضل البدائل المطروحة أمامه.. فلم يذهب هذا المجلس الى الطمع في السلطة.. بل اكد حرصه على تركها لكل من يعتقدون انها مغنم.. وكان هذا المجلس عظيماً - بقدر عظمة المؤسسة العسكرية المصرية - فهو يدرك من اللحظة الاولى ان ضخامة السفينة تفرض عليه تحمل ما لا يقدر على تحمله غيره.. فهو يدرك ان مصر هي مركز دائرة المنطقة جغرافيا وتاريخيا.. ضرب مثلاً مذهلاً للدنيا.. فهو ليس معبراً عن مؤسسة عسكرية تفوح منها رائحة المؤسسة ذاتها العطنة في ليبيا.. ولا هو مجلس يمارس جرائم نتابعها ساعة بساعة في سوريا.. وعراقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية مع المؤسسة تختلف عما يحدث في اليمن.. اولئك عسكريون يعرفهم التاريخ بأنهم خير أجناد الارض.. وهذا يدعونا للفخر بهم، بقدر ما نفخر بما فعل شباب مصر يوم 25 يناير.. وبينهما طاقة امل رائعة ومضيئة.. لكن ما يدعونا للخوف هو تعدد الاصابع الخارجية التي تعتقد في قدرتها على أن تهدم الحاضر وتحرمنا من مستقبل نحن أهل له.. ولا مانع من محاولتهم الاساءة الى ماضينا العظيم.. فهل تنجح العملة الاجنبية القادمة من بلاد مضطرون للقول عنها إنها شقيقة؟ أو تنجح عملات اجنبية قادمة من أراض نعلم انها تمثل العدو الحققي لنا؟ وأضيف اليهما اموالاً قذرة يحتفظ بها رموز نظام كان يركع لأولئك وهؤلاء!!