سمير عطا الله


انهار الاتحاد السوفياتي عام 1988 بين يدي رجلين: ميخائيل غورباتشوف، الأمين العام للحزب الشيوعي، والكاتب المعادي للحزب والعائد من المنفى الأميركي، ألكسندر سولجنتسين. كان كلاهما بليغا. راح غورباتشوف يتنقل من ساحة إلى أخرى في الدول السوفياتية متوسلا سامعيه إعطاء فرصة أخرى للفكر اللينيني. وراح سولجنتسين ينتقل من تلفزيون إلى آخر، شارحا كيف كان لينين سبب الكارثة. لا أصغى السامعون إلى هذا ولا فهموا على هذا. قليلون كانوا يذكرون من هو لينين ولماذا هو مثار محبة أو عداء إلى هذه الدرجة. كان سولجنتسين يتوقع أن يلقى استقبال الأبطال لدى عودته من المنفى، ففجع بأن لا أحد يعرف شيئا عنه.

مشكلة حزب البعث في سوريا (والعراق ولبنان وفلسطين) ليس في إخفاقاته، بل في أن 99% من أعضائه تخطوا السبعين في حين أن 70% من العرب لم يبلغوا الثلاثين. كيف يمكن أن يخاطب حزب أنشئ عام 1947 شابا وُلد عام 1985؟ بأي تعابير وبأي لغة؟ وبماذا يستطيع أن يعده بعد 60 عاما وهو لم يحقق شيئا في بلدين كان له فيهما الحكم المطلق، يزدحمان بالطاقات البشرية والثروات الطبيعية وأكداس التجارب التاريخية؟

تشرف صحيفة laquo;لومانيتهraquo;، جريدة الحزب الشيوعي الفرنسي، على الإغلاق. كانت صحيفة جيدة بكل المقاييس وعاشت بمكانة لائقة بين الصحف الأخرى. لكنها الآن تتحدث لغة لا علاقة لها بأحد. مثلها مثل صحيفة laquo;لاكرواraquo; الكاثوليكية. أكثر الصحف مبيعا وأهمية في بريطانيا وفرنسا وأميركا، هي الصحف الاقتصادية. الجيل الحالي يريد أن يقرأ عن حركة الأسهم لا عن معركة العمال والفلاحين. حتى الفقراء فيه.

وجود فئة بارة من البعثيين لا تعوض سنوات الصراع والضياع والضرر الزمني الذي لحق بالأمة. وأكبر أشكال هذا الضرر أن البعث ضرب ودمر وألغى جميع الأحزاب المدنية وترك أحزاب التشدد تنمو في الأقبية. وبدل أن تلتقي الأحزاب القومية على برنامج واحد، تذابح الناصريون والبعثيون في كل مكان، وألغى بعضهم بعضا، وتآمر بعضهم على حياة البعض.

أنقذ حزب العمال البريطاني نفسه عندما ألغى نفسه. اكتشف شباب الحزب، بزعامة توني بلير يومها، أن لغتهم قد انقرضت، وأن ابنة بقال تتزعم حزب المحافظين بدل أن laquo;تناضلraquo; في صفوف العمال. بدل أن يرموا الحزب من النافذة فتحوا جميع النوافذ. أصغوا إلى لغة الناس التي يريدونها أن تبقيهم في الحكم. وضمنوا لأنفسهم البقاء.