ساطع نور الدين
العرض مغر جداً، بل يمكن ان يعتبر نقطة تحول تاريخية في مسيرة تنظيم القاعدة، الذي لم يتفرغ يوماً لقتال الانظمة العربية والاسلامية، بل ركز جهده على محاربة الدول الصليبية، لكنه بات يفكر الآن بالانخراط في الثورات الشعبية العربية، ويخاطب الثوار العرب، وغالبيتهم الساحقة من المناهضين لاعتماد الشريعة الاسلامية والمنادين بالدولة المدنية الديموقراطية، فضلاً عن ان 99,99 بالمئة منهم هم من المعارضين للعنف والقوة.. بالقول إنه يتمنى ان يكون معهم في هذه اللحظات، لولا ان الحرب مستعرة في افغانستان وباكستان.
زعيم التنظيم الدكتور ايمن الظواهري، الذي سبق ان وجه رسائل تأييد الى الثورتين المصرية والتونسية قبيل نجاحهما في خلع حسني مبارك وزين العابدين بن علي، قرر فجأة أن يخصّ الثورة السورية بالذات بهذا العرض السخي، والعلني الذي يتخطى الجهد الحثيث الذي يبذله التنظيم في التخريب على الثورة اليمنية، من خلال إيقاظ خلاياه النائمة في محافظة ابين لقتال الجيش اليمني الذي يقوده أنجال الرئيس علي عبد الله صالح، ما يكسب النظام اليمني وقتاً ثميناً للبقاء في السلطة والدفاع عن وظيفتها الامنية الحيوية للاميركيين والغرب عموماً.
لم يوضح الظواهري ما كان يقصده عندما قال في رسالته الموجهة الى ثوار سوريا انه يتمنى ان يكون بينهم. المؤكد انه لم يكن يعني الخروج معهم في تظاهراتهم النهارية او حتى الليلية. ليس فقط لانه يخشى على نفسه او على خلاياه من القتل او الاعتقال، بل لانه ليس من تقاليد التنظيم المشاركة في تحركات سلمية الطابع، لم تخرقها حتى الآن سوى بعض الحوادث الفردية ذات الدافع الانتقامي.. ولم تشوّهها حتى الآن سوى بعض الاطلالات الجنونية لمشايخ الحرب الاهلية والفتنة المذهبية وعلى رأسهم الشيخ عدنان العرعور الذي يثير سخرية الشارع واهتمام النظام، لكنه يلحق ضرراً بالغاً بسوريا كلها.
المرجح ان تنظيم القاعدة لا يتمتع في سوريا بشعبية تزيد عن شعبية ذلك الشيخ المعتوه، الذي تنبذه غالبية المعارضين السوريين وتخجل منه، لكنها تسجل أنه استفاد كثيراً من سلوك النظام وخياره الامني وبات قادراً على تعبئة عشرات الشبان الآتين من الاحياء المعدمة في بعض المدن السورية واشراكهم في المسيرات الشعبية التي صارت اعداد المشاركين فيها تتجاوز مئات الآلاف، لكنها تجد صعوبة في احتواء ذلك الصوت المنفر، الذي يمكن ان تكسبه رسالة الظواهري وعرضه المؤثر زخماً اضافياً، ما يزيد من توتر النظام وبطشه، ويعرقل مسيرة التغيير والاصلاح السلمي في سوريا.
لم يكن ينقص الثورة السورية، في مستهل مسيرتها الشاقة وذروة بحثها المضني عن خطتها وقيادتها، سوى ان ينضم اليها الظواهري ليستكمل جهود العرعور في دفع سوريا نحو تجربة عراقية دموية جديدة، ما زال المعارضون السوريون يقاومونها بإرادة قوية، ويتلقون الضربات القاسية من النظام، والطعنات المؤلمة من خلف صفوفهم المخترقة نتيجة تشرذم وتشوش ليس له تفسير.
التعليقات