جهاد الخازن


منذ بدء التظاهرات والمواجهات في سورية والنظام يستعمل العنف وسيلة واحدة في الرد. غير أن الأشهر الأربعة الأخيرة أظهرت أن العنف لم يحل شيئاً وإنما زاد الأزمة سوءاً، ومع ذلك فالعنف مستمر وهناك ضحايا كل يوم، وقد بلغت الحكومة والمعارضة نقطة اللارجوع، وبقي أن يتعلم طرف أن القيادة عمل وليست منصباً، وطرف آخر أن يطلب المستطاع ليطاع.

هي سياسة انتحارية أبشع ما فيها أنها لم تكن السياسة الوحيدة المتاحة في البداية، وهناك بدائل لها اليوم، غير أن النظام ماضٍ في استعمال الشدة، ومشاريع الإصلاح كلام، والمعارضة تريد كل شيء، والطرفين يتصرفان وكأن كلاً منهما يريد أن يربح حرباً مع زلزال، لذلك سيخسران والخسارة قد لا تقف عند حدود سورية.

تغيير الحكم أو الحاكم في مصر لا يخيفني، ففي النهاية يذهب رئيس سنّي ويأتي رئيس سنّي. في سورية التغيير مخيف لأن البلد يضم أقليات، وثمة خطر حرب أهلية أو مجزرة حتى لو أنكر أصحاب العلاقة ذلك. لم يبقَ من جيل الخمسينات والقادة الوطنيين أحد، والبديل اليوم مخيف مهما أنكر المعارضون...

شخصياً، لا أكاد أصدق ما يحدث. قبل سنة كنت أسمع برنامج الأحد على راديو هيئة الإذاعة البريطانية، وكان عبارة عن ساعة غزل بتعايش الطوائف في سورية، ومقدم البرنامج قسيس أذهله وجود المساجد إلى جانب الكنائس، وحضور نساء محجبات في حفلة زفاف صديقة لهن في كنيسة. وقبل أشهر كتبت في هذه الزاوية أن سورية تستطيع أن تصبح سنغافورة الشرق الأوسط، منطلقاً من فكرة للصديق نمير قيردار، رئيس بنك الاستثمار العربي انفستكورب، راجعت تفاصيلها معه وزدت عليها ما توافر لي من معلومات بحثية.

أين التعايش وأين سنغافورة مما نحن فيه الآن؟ اليوم نحن أمام دعوات لحصار على سورية، وثلاثة أعضاء في مجلس الشيوخ يحرضون الرئيس أوباما ومعهم إعلام ليكودي الهوى مثلهم.

أتمنى أن يغيّر الرئيس بشار الأسد أسلوب التعامل مع التظاهرات، ولا أتوقع ذلك، وأريد من المتظاهرين أن يختبروا نوايا الحكومة ضمن فترة زمنية قصيرة ومحددة، ولا أتوقع ذلك أيضاً.

ما أتوقع هو ما لا أصدق من أخبار الإعلام الرسمي الذي لا يجد في التظاهرات سوى عصابات جريمة ومتطرفين، ومن أخبار معارضين من دون اسم أو رسم يعطون الصحافة الخارجية ما يوافق هواهم، فيما الحقيقة تحت أرجل طرفي النزاع، وإلى درجة أنهما لا يريان التهديدات الغربية للنظام بالتدخل، وهو وضع لا يمكن أن يقبل به أي سوري عاقل ووطني.

وأبقى مع الموضوع وأنا أنتقل إلى laquo;حزب اللهraquo;، فالوضع السوري أدخله في مأزق من صنع الآخرين، ما يعني أزمة لبنانية مقبلة.

على سبيل التذكير، عندما وجد صدام حسين نفسه في وجه العالم بعد احتلال الكويت أطلق صواريخ على إسرائيل، أسفرت عن موت إسرائيلي واحد خوفاً بسكتة قلبية، ومع ذلك أكسبته شعبية رخيصة لفترة قصيرة لم تدفع النهاية الحتمية.

هل نصل إلى وضع في سورية يطلق laquo;حزب اللهraquo; فيه صواريخه إلى إسرائيل لقلب الأوضاع في المنطقة؟ السؤال ليس مني، وإنما تردده الميديا الغربية كل يوم، نقلاً عن مسؤولين ومصادر استخبارات ودور بحث وغيرها.

هم يقولون إن laquo;حزب اللهraquo; تلقى بعد صيف 2006 صواريخ أكثر وأقوى وأبعد مدى مما كان عنده قبل تلك الحرب. وكنت سمعت معلومات عن الموضوع من اللواء عمر سليمان الذي أثق به، غير أنني أقرأ الآن معلومات إضافية عن صواريخ مداها مئات الكيلومترات، وبعضها يستطيع أن يحمل في رأسه طناً من المتفجرات، مع دقة بالغة في التوجيه.

هل هذا صحيح، أم هو تلفيق من مصادر عدوة بهدف خلق أجواء تبرر ضرب سورية مع laquo;حزب اللهraquo;؟ لا أعرف، لكنّ ثمة إجماعاً في الغرب على أن laquo;حزب اللهraquo; لا يملك أمر نفسه، وإنما ينفذ ما تطلب إيران وسورية، وهو قد يبدأ مواجهة مع اسرائيل لتخفيف الضغط على النظام في دمشق.

الأضرار من مثل هذه المواجهة ستزيد أضعافاً على نتائج حرب 2006، ولا أراها ستخفف صعوبات النظام السوري أو تزيدها، وإنما هي رغبة إسرائيلية لأن laquo;حزب اللهraquo; أكبر خطر حالي على إسرائيل، والخطر منه أكبر كثيراً من قنبلة نووية إيرانية في المستقبل، لأن صواريخه، وأتوكأ مرة أخرى على معلومات اللواء عمر سليمان، لا دفاع ضدها بسبب قربها من أهدافها الإسرائيلية، وإسرائيل لا تستطيع أن تشنّ غارات على الإنشاءات النووية الإيرانية قبل تحييد قدرات laquo;حزب اللهraquo;.

الغرب يرى laquo;حزب اللهraquo; منظمة إرهابية حتى كأن هذه العبارة اسمه الآخر، غير أنني أعتبر laquo;حزب اللهraquo; حركة تحرر وطني وإسرائيل منظمة إرهابية، وكنت أتمنى لو أن الحزب اكتفى بالتحرير فهو علة وجوده، وابتعد عن السياسة الداخلية اللبنانية حتى لا أختلف معه يوماً.

في غضون ذلك، الوضع في سورية سيء، وسيسوء أكثر إذا لم تغيّر الحكومة أسلوب العنف في التعامل مع المعارضة.