عبدالحسين شعبان
أثارت الانتفاضة الفلسطينية (أواخر العام 1987) والتي استمرت الى العام 1993 قضية إعلان الاستقلال والاعتراف بدولة فلسطين ضمن حدود العام ،1967 وتوصلت منظمة التحرير الفلسطينية (م .ت .ف) الى بلورة هذا الموقف في اجتماعات المجلس الوطني (الدورة التاسعة عشرة الطارئة) في الجزائر في 15 نوفمبر/تشرين الثاني ،1988 وذلك بصيغة قانونية أطلقت عليها ldquo;إعلان الاستقلالrdquo;، وخلال فترة قصيرة اعترفت بالدولة الفلسطينية واستقلالها ما يزيد على100 دولة .
وجاء في إعلان الاستقلال ldquo; . . . واستناداً إلى الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني للشعب العربي الفلسطيني في وطنه فلسطين وتضحيات أجياله المتعاقبة دفاعاً عن حرية وطنهم واستقلاله وانطلاقاً من قرارات القمم العربية ومن قوة الشرعية الدولية فإن المجلس الوطني يعلن قيام دولة فلسطين فوق أرضنا وعاصمتها القدس الشريفrdquo; .
وإذا كان إعلان الاستقلال قد ترافق مع تصاعد الانتفاضة الفلسطينية فإن ذلك سلّط الضوء مجدداً على الانتهاكات الخطيرة والجسيمة لحقوق الإنسان الفلسطيني، مما حدا بالدورة الخامسة والأربعين للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة إصدار قرار يدين ldquo;إسرائيلrdquo; لخرقها المستمر لحقوق الإنسان ولاتفاقيات جنيف لعام 1949 المتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب، باعتبارها تشكّل ldquo;جرماً مخلا بسلم الإنسانيةrdquo; وrdquo;خرقاً لمبادئ القانون الدوليrdquo; فضلاً عن كونها ldquo;جرائم حربrdquo; .
إن إعلان ولادة الدولة الفلسطينية في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 1988 ترافق أيضاً مع صدور ثلاثة قرارات دولية مهمة من مجلس الأمن هي القرارات رقم 605 و607 و608 التي اعترفت بكون الأراضي الفلسطينية (التي تحت الاحتلال ldquo;الإسرائيليrdquo;) أراضي محتلة، الأمر الذي يطرح مستقبلها السياسي، خصوصاً ما أعلنته م .ت .ف مؤخراً من رغبتها في التقدّم بطلب الى الجمعية العامة للأمم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطين ضمن حدود 1967 كدولة عضو في الأمم المتحدة، وهكذا يصبح مستقبل الضفة الغربية وقطاع غزة والقسم الشرقي من القدس (المحتل عام 1967 والذي أعلنت ldquo;إسرائيلrdquo; ضمّه اليها بموجب قرار الكنيست عام 1980) موضوع إشكال جديد في ما يتعلق بالحدود الجغرافية للدولة الفلسطينية التي يفترض أن تعترف بها الأمم المتحدة .
وكان رد فعل واشنطن الأولي أن هددت بإحباط هذا المسعى، أما ldquo;إسرائيلrdquo; فقد لوّحت باتخاذ عقوبات ضد السلطة الفلسطينية، ولم تظهر ردود فعل مغايرة للتوجهات ldquo;الإسرائيليةrdquo; - الأمريكية أوروبياً، في حين لا زال التحرك العربي والإسلامي ldquo;بارداًrdquo; إزاء ما تنوي م .ت .ف القيام به في معركتها الدبلوماسية لنيل اعتراف الأمم المتحدة .
وبغض النظر عن التأثير المباشر أو غير المباشر للحصول على الاعتراف القانوني الكامل De Jure من جانب الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية، فإن ثمة عقبات قانونية تحاول ldquo;إسرائيلrdquo; زرعها أمام التحرك الفلسطيني . ولعل العقبة الأولى التي تتعكز عليها ldquo;إسرائيلrdquo; أن الضفة الغربية كانت تحت الهيمنة الأردنية وأن قطاع غزة كان تحت السيطرة المصرية، وأن ldquo;إسرائيلrdquo; دفاعاً عن النفس اكتسبت هذه الأراضي، وهو ما تذهب إليه المدرسة ldquo;الإسرائيليةrdquo; الصهيونية .
ولا تحتاج هذه الفرضية غير القانونية الى عناء كثير لدحضها، فالأراضي الفلسطينية لم تكن قفراً (أي أرض بلا شعب) كما أن الوجود الأردني أو المصري في أراض فلسطينية عربية، لم يكن تجاوزاً لقرار التقسيم رقم 181 لعام 1947 (عدا ما حصل في القدس) ولعل قول ldquo;إسرائيلrdquo; إنها اكتسبت هذه الأراضي في حرب دفاعية لا يجد له سنداً في القانون الدولي، على حد تعبير الدكتور أنيس فوزي القاسم، حيث لا يمكن اكتساب الأراضي بالقوة، وهذه قاعدة قامت عليها الأمم المتحدة واستند إليها ميثاقها .
أما العقبة الثانية التي تتعكز عليها ldquo;إسرائيلrdquo; فهي ldquo;ألrdquo; التعريف والخلاف الذي ثار حول انسحاب ldquo;إسرائيلrdquo; من ldquo;أراض محتلةrdquo; وليس ldquo;الأراضي المحتلةrdquo;، وهناك خلاف بين النص الانجليزي والنصوص الفرنسية والإسبانية والروسية والصينية حول ldquo;ألrdquo; التعريف، علماً بأن لهذه النصوص الحجية القانونية نفسها، باعتبارها لغات رسمية ومعتمدة في الأمم المتحدة، ولهذا فإن القرار رقم 242 الصادر عن مجلس الأمن في حزيران/يونيو 1967 ينسجم مع ميثاق الأمم المتحدة الذي لا يجيز اكتساب أراضي الغير بالقوة، وهو ما ذهبت إليه القرارات الثلاثة المشار اليها، فضلاً عن قرار محكمة العدل الدولية الاستشاري الصادر في عام 2004 بشأن مسألة ldquo;جدار الفصل العنصريrdquo; حين أكدت المحكمة أن ldquo;الأراضي الفلسطينية المحتلةrdquo; هي تلك الواقعة بين خط الهدنة لعام 1949 وحدود فلسطين التاريخية من الناحية الشرقية .
وإذا كانت الفرضيات ldquo;الإسرائيليةrdquo; غير قانونية ولا تنسجم مع قواعد القانون الدولي المعاصر وميثاق الأمم المتحدة، ناهيكم عن تطورات فقه القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، فإن طلب التقدّم لعضوية الأمم المتحدة تواجهه عقبات من نوع آخر وإن كان ينسجم مع مبدأ حق تقرير المصير وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة حول تصفية الكولونيالية رقم 1514 لعام 1960 .
العقبة الأولى هي احتمال اصطدام الطلب بالفيتو الأمريكي أو البريطاني أو الفرنسي، ولهذا فإن الفشل قد يصيبه . أما العقبة الثانية فتتعلق بالإجراءات ldquo;الإسرائيليةrdquo; ضد السلطة الفلسطينية لمنعها من تحقيق أي نجاح حتى وإن كان إجرائياً أو شكلياً، وللسبب ذاته فقد شنت حملة شعواء ضد تقرير غولدستون، بل وأجبرته لاحقاً على التخلي عنه، على الرغم من أن ذلك لا يغيّر شيئاً في حقيقة إدانة انتهاكات ldquo;إسرائيلrdquo; لقواعد القانون الدولي وحقوق الإنسان الفلسطيني، وخصوصاً حربها المفتوحة ضد غزة والتي دامت 22 يوماً وفرضها حصاراً جائراً ضدها منذ ما يقارب أربع سنوات .
وبغض النظر مرّة أخرى عن آفاق قبول أو عدم قبول دولة فلسطين في الأمم المتحدة، فإن الإشكالات الأساسية ستبقى من دون حل، سواءً قضية اللاجئين والمستوطنات أو الحدود والقدس والمياه، والأهم من ذلك كلّه هو اتفاقيات أوسلو التي مضى على توقيعها ما يقارب 20 عاماً ووصلت الى طريق مسدود منذ ما أطلق عليه مفاوضات الحل النهائي في العام ،1999 الأمر الذي كان سبباً أساسياً في اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في 28 أيلول (سبتمبر) العام 2000 .
وطالما استمر الموقف ldquo;الإسرائيليrdquo; العدواني من دون أية حلحلة، ومعه الموقف الأمريكي الذي بدا أكثر تشدّداً بشروط الرئيس أوباما الفلسطينية، فإن الرهان على عضوية الأمم المتحدة لن يغيّر شيئاً على الرغم من الحديث عن العودة الى حدود العام ،1967 وهذه الشروط هي: الشرط الأول الاعتراف ب ldquo;إسرائيلrdquo; كدولة يهودية ldquo;نقيةrdquo; والشرط الثاني رفض الاتفاق بين فتح وحماس والشرط الثالث هو عدم السماح بانتقاد ldquo;إسرائيلrdquo; في المحافل الدولية، وهي شروط غريبة وتعبّر عن انحياز مع سبق الإصرار ل ldquo;إسرائيلrdquo;، التي يريد الرئيس أوباما من المفاوض الفلسطيني الجلوس معها على طاولة المفاوضات، وهي المواقف التي سيتم التعبير عنها عندما يتم عرض موضوع قبول دولة فلسطين في الأمم المتحدة .
التعليقات