سركيس نعوم

لا تبدو الجمهورية الاسلامية الايرانية مرتاحة كثيراً هذه الايام على رغم انها تعيش حالاً من الاستقرار الداخلي تعكّره احياناً قليلة عمليات محدودة من جهات معارضة لها من زمان. هذا ما يعتقده باحثون ومتابعون لأوضاعها من لبنانيين وغربيين. اما اسباب قلة الارتياح فكثيرة يلخّصها هؤلاء بالآتي:
1 - بروز تركيا، بعد وصول الاسلاميين الى الحكم فيها بواسطة الديموقراطية، دولة مستقرة الى حد بعيد على رغم استمرار مشكلتها الكردية من دون حل، ومتقدمة اقتصادياً وصاحبة دور اقليمي يتعاظم تدريجاً وخصوصاً بعدما صار العالم العربي السنّي اجمالاً يشعر بالخوف من ايران الشيعية الطامحة الى الدور الاول في المنطقة والناجحة حتى الآن في اختراق هذا العالم في اكثر من موقع. وقد شكَّل البروز التركي المشار اليه منافساً قوياً لايران التي كانت وبرغم مواجهتها لاميركا تأمل في اقناعها بقبولها اياها شريكاً مميزاً لها في المنطقة المحيطة بها العربية وغير العربية. طبعاً لم يكن الموقف الاميركي رافضاً quot;شركةquot; ما مع ايران، وقد عبّر عن ذلك بمد يد الحوار اليها اكثر من مرة. لكنه لم يكن في وارد تسليم المنطقة لها. ودارت بين الدولتين لعبة فيها الكثير من الدلع الايراني ومن الاذى الفعلي لاميركا، وفيها استمرار الرغبة الاميركية في الحوار مع رفض اعطاء ايران وكالة حصرية. وقد يكون التقاء مواقف الدولتين وخصوصاً في موضوع الارهاب الاسلامي السنّي الاصولي هو الذي ترك االباب مفتوحاً امام الحوار غير الناضج حتى الآن، وامام التعاون الميداني عند الضرورة. في غمرة هذا الواقع برزت تركيا الاسلامية وراحت تحاول اقناع اميركا بأن مكافحة الارهاب السنّي ممكنة بواسطة السنّة الذين يشكّلون اكثر من 82 في المئة من مسلمي العالم. في حين ان الاعتماد على الشيعة في ذلك، وهم الاقلية، سيحوّل غالبية السنّة اصوليين وربما لاحقاً ارهابيين. واستعملت في اقناعها المواقف الرافضة لإيران في العالم العربي السنّي. كما استعملت عملية السلام مع اسرائيل معتبرة ان نجاحها يؤمنه الاكثريون في العالم العربي والاسلامي. علماً ان هؤلاء معادون لاسرائيل اساساً.
2 - اندلاع انتفاضة شعبية واسعة في سوريا الاسد الحليفة الاستراتيجية لايران، واخفاق السلطة بكل اجهزتها ووعودها الاصلاحية وبتركيزها على دور الخارج المعادي، في القضاء عليها. وهي مرشحة للتحول، ثورة شعبية قد لا تقضي على النظام لكنها قد تقود الى حرب اهلية تقضي على كل المكتسبات الايرانية. فسوريا هي التي أدخلت ايران العالم العربي وتحديداً لبنان وفلسطين وأزمة الشرق الاوسط. ومكّنتها من اقامة حلف استراتيجي عامل وبكدٍّ لانشاء محور يبدأ في طهران ويمر في بغداد ودمشق وبيروت وينتهي في فلسطين.
3 - الخوف من خسارة لبنان على رغم quot;الاستثمارquot; الناجح جداً الذي اقامت فيه منذ عام 1982. والخسارة قد تكون بسقوط النظام السوري وقيام بديل معاد لايران ولــquot;استثمارهاquot; هذا، فلا يكتفي باقفال الحدود امام مساعداتها له بل ربما يعمد الى تقوية اخصامه واخصامها بالطريقة نفسها التي quot;كانquot; نظام الاسد يعتمدها. ويمكن ان تكون ايضاً بتفاعل الساحة اللبنانية مع ما يجري في سوريا فتتحول ساحة حرب تستنزف quot;الاستثمارquot; نفسه وجمهوره، وتفتح الباب امام مداخلات خارجية معادية لايران التي ستكون عاجزة لبعدها الجغرافي عن تقديم المساعدات. ويمكن ان تكون الخسارة ثالثاً بحرب اسرائيلية شاملة على لبنان في ظل اوضاع سوريا المتردية حتى مرتبة الحرب الاهلية. علماً انها لن تكون سهلة في ضوء تجارب الماضي.
4 - فشل ايران في منع حلفائها العراقيين من الآن على الاقل من الاتفاق مع اميركا على ملحق لـquot;اتفاق الانسحابquot; من العراق يُبقي قسماً من قواتها فيه لانه لا يزال وباقتناعهم كلهم في حاجة اليها. ولا يعني ذلك ان اميركا لا تعترف ومنذ الآن بدور مهم لايران في العراق. بل يعني ان ايران لا تريد اي دور لاميركا في العراق. ولا يبدو ذلك سهلاً.
في اختصار، يقول المتابعون والباحثون انفسهم ان ما جرى بين فنزويلا تشافيز حليفة ايران ومنظمة quot;الانتربول الدوليquot; يشير الى عدم الارتياح المذكور في بداية quot;الموقفquot;. اذ استقبلت مسؤولاً ايرانياً صادرة مذكرة توقيف دولية في حقه ومعممة على الانتربول لاتهامه بدور في تفجير مقر يهودي في عاصمة الارجنتين. وعندما لامها الانتربول على ذلك وفي صورة رسمية اعتذرت رسمياً ووعدت بعدم تكرار ذلك. وفي هذا الامر زيادة في quot;عزلةquot; ايران وإن غير الخانقة حتى الآن. ولعل هذه الحادثة دفعت طهران اخيراً الى اعلان استعدادها للتعاون مع الارجنتين في التحقيق في التفجير المذكور.