إياد الدليمي

يبدو أن laquo;حوصلةraquo; الأتراك على ما يجري في سوريا قد انفجرت، ولم يعد بالإمكان السكوت على أفعال النظام البعثي الأسدي، فبعد تصريحات نارية أطلقها رجب طيب أردوغان بعد اندلاع المظاهرات، وقبيل الانتخابات التركية، خيم الصمت على عاصمة العثمانيين، وراح الجميع يضرب أخماسا بأسداس حول سبب هذا الصمت الرهيب، فبمجرد أن انتهت الانتخابات التركية وأعلن فوز العدالة والتنمية، حزب أردوغان وعبد الله غل، صمت الجميع، ولم يعد يسمع لهم صوت، واختفت لهجة التحذير العنيفة التي أطلقها أردوغان، بأنه لن يسمح بتكرار حماة أخرى، فوقعت حماة أخرى وشابهتها دير الزور وصفت معها حمص وقبلها درعا، ولم يتحرك الدم العثماني الذي ما زال يجري في عروق الأتراك.
إلا أن شيئا ما حدث على ما يبدو، فطلع مرة أخرى رجب طيب أردوغان بتصريح شديد اللهجة حيال أفعال النظام السوري، وأوفد وزير خارجيته إلى دمشق ليوصل رسالته الحازمة لأركان البعث السوري، غير أن أخطر ما مرره أردوغان بتصريحه السريع والحاد قوله إن سوريا شأن داخلي تركي.
الرسالة وجهت إلى أطراف عدة، لعل من أبرزها النظام الحاكم في دمشق، الذي يعرف جيدا طريقة تعامل الأتراك مع ملفات حساسة كالملف السوري، والذين سبق لهم أن أظهروا قدرا من الحزم جعل الأسد الأب يتنازل ليس عن تهديد أطلقه تجاه تركيا عام 1998 بل ويسلم زعيم الأكراد عبد الله أوجلان، وأيضاً يسحب قواته من الحدود السورية التركية، ويفوض الأتراك التواجد العسكري على النقطة الحدودية بينما لا يسمح بذلك لجيشه، وهو ما لم يكن يحلم به حتى الأتراك.
الطرف الآخر، هو حلف الناتو والولايات المتحدة الأميركية، فأردوغان قالها لهم بصراحة، إن سوريا ليست ليبيا، وبالتالي فإن سيناريو مشابهاً لليبيا لا يمكن أن يحصل على حدود تركيا، وهو ما يعني أيضاً، أن تركيا لا تحبذ حاليا أي مشروع للتدخل العسكري، وأنها تسعى للملمة الأوضاع السورية بطريقة سريعة، ولعل ذلك ما نقله أوغلو لنظام البعث في دمشق.
الطرف الثالث الذي خاطبه أردوغان بقوله إن سوريا شان داخلي تركي، هو الشعب السوري، الذي يسعى أرودغان أن يصالحه، وأن يعقد معه مسبقاً صفقة، وكأنه يريد أن يقول لهم إننا لم نتخل عنكم، فهو لا يريد نظاما جديدا في سوريا يضمر العداء لتركيا، وبالتالي فإن جبهة الـ 800 كيلو متر بين البلدين قد تعود لتؤرق ليل الأتراك من جديد.
وأيضاً خاطب أرودوغان الدول العربية، التي ما زال البعض من أنظمتها يتعامل مع تركيا على أنها خطر إقليمي ولديه مخاوف من أي تدخل لتركيا، مؤكدا أن تركيا لا تتعامل مع سوريا بالطريقة ذاتها التي تتعاملون أنتم بها معها، وإنما تركيا ترى في سوريا عمقاً حقيقياً لها، وأن ما يحصل في دمشق يسمع صداه في اسطنبول، وبالتالي خلوا مخاوفكم جانبا وتعاونوا معنا.
ولعل الأكراد لم يكونوا غائبين عن خطاب أردوغان وقوله إن سوريا شأن تركي داخلي، فهو يريد أن يبلغ القيادات الكردية أن تحركاً مستقبلياً لكم داخل سوريا الجديدة يجب أن يكون محكوماً بضوابط، لعل من أبرزها وأهمها عدم تكرار تجربة أكراد العراق بإقامة إقليم كردي قد يهدد تركيا، لأن سلامة تركيا ووفقا لمنطق أردوغان، من سلامة سوريا موحدة بعربها وأكرادها.
الرسالة التركية وصلت على ما يبدو لعدد غير قليل من الأطراف، وفهمها الكثير، وبقي السؤال الأهم، هل سيفهم نظام الأسد مغزى هذه الرسالة؟
إن تركيا اليوم تعد نفسها للعب دور كبير وواسع في الملف السوري، ومن غير المستبعد أن تكون تركيا هي فرس الرهان في المرحلة المقبلة للبحث عن حل سريع وجذري للمشكلة في سوريا، بل إن استمرار النظام السوري بنهجه القمعي، وتواصل سقوط الشهداء في مختلف المدن السورية، سيعني من بين ما يعنيه أن نظام الأسد رفض فهم الرسالة التركية، وبالتالي فإن اسطنبول ستأخذ على عاتقها مهمة الناتو في ليبيا، وعند ذاك سيسمع الأسد صوت المدفع العثماني القديم يرن قرب قصره.