كتب: Stratfor

يعجز نظام الأسد حتى الآن عن قمع الاضطرابات السائدة، لذا يتابع قتل شعبه بشكل يومي، فيواجه بالتالي عزلة دولية متزايدة، وفي ظل هذه الظروف، يحتاج السوريون إلى التأكد من أن تركيا- دولة مجاورة أساسية ولاعب إقليمي بارز تربطه علاقات وثيقة مع الغرب- لن تنقلب ضدهم.
يوم الثلاثاء، سافر وزير الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو، إلى دمشق حيث قابل الرئيس السوري بشار الأسد وغيره من كبار المسؤولين السوريين. كان الهدف من زيارة داود أوغلو محاولة إقناع النظام السوري بإنهاء مظاهر استعمال القوة، فقد قُتل حوالي 1600 شخص منذ اندلاع الاحتجاجات في البلاد قبل خمسة أشهر. وفق التصريحات الصحفية التي صدرت بعد اجتماعات 9 أغسطس، ستراقب أنقرة سلوك النظام السوري في الأيام المقبلة. وأعلنت سورية من جهتها أنها مستعدة لتقبّل أي مساعدة تقدمها لها الدول الصديقة والشقيقة مع التأكيد على أنها لن تتوقف عن ملاحقة الجماعات التي تحاول زعزعة استقرار البلد.
يشير هذا التصريح الأخير بكل وضوح إلى أن أنقرة لم تضغط ببساطة على السوريين كي ينهوا أعمال العنف، بل إنها استغلت اجتماعاتها لمحاولة إرشاد دمشق نحو صيغة من شأنها تهدئة الاضطرابات. بالتالي، لا تتوهم تركيا بشأن قدرة سورية على التعامل مع الأزمة ببراعة، لكن لا تجد أنقرة أمامها أي خيار آخر إذا لم تشأ أن تنهار الدولة السورية.
لكن لا يعني ذلك أن الأتراك مجبرون على التعاون مع السوريين، بل قد يكون العكس صحيحاً. يعجز نظام الأسد حتى الآن عن قمع الاضطرابات السائدة، لذا يتابع قتل شعبه بشكل يومي، فيواجه بالتالي عزلة دولية متزايدة، وفي ظل هذه الظروف، يحتاج السوريون إلى التأكد من أن تركيا- دولة مجاورة أساسية ولاعب إقليمي بارز تربطه علاقات وثيقة مع الغرب- لن تنقلب ضدهم.
في الأساس، يحتاج السوريون إلى مساعدة الأتراك لإيجاد تسوية سياسية لتهدئة الانتفاضة الشعبية واحتفاظ النظام بالسلطة.
لا تزال تفاصيل هذه الخطة مبهمة نظراً إلى حساسية الوضع، لكن الأهم من ذلك هو بروز شكوك جدية حول قدرة أنقرة على مساعدة دمشق لتجنب أي انهيار محتمل.
تعود هذه الشكوك إلى طبيعة النظام السوري من جهة وإلى صعوبة التوصل إلى تسوية من شأنها تهدئة الحشود وتجنب عملية انتقالية فوضوية من جهة أخرى. بغض النظر عن تداعيات الأزمة الراهنة، سيزداد النفوذ التركي في سورية. تريد أنقرة الظهور بصورة القوة المهيمنة في الشرق الأوسط، ولا ننسى أن الدولتين المجاورتين تتشاركان حدوداً واسعة، وستكسب تركيا في نهاية المطاف نسبة متفاوتة من النفوذ للتأثير في الشؤون السورية. لكن قبل حصول ذلك، ستجد تركيا نفسها في صراع مع إيران لتحديد مستقبل سورية. يُعتبر النظام السوري حليف طهران الوحيد في العالم العربي، وتشكل دمشق عاملاً أساسياً لتعزيز قدرة الإيرانيين على فرض سلطتهم في المنطقة. بدأت هذه العلاقة المحورية تتخذ منحى خطيراً في الوقت الذي تحاول فيه الجمهورية الإسلامية الاستفادة من الفرصة التاريخية السانحة للنشوء كقوة إقليمية بارزة. لذا يملك الإيرانيون دوافع عدة لضمان صمود الدولة السورية أكثر من الأتراك.
تُعتبر تركيا وإيران معاً من بين الدول النافذة في سورية، ولكنهما تنظران بطريقة مختلفة إلى كيفية التعامل مع الأزمة السورية. تشهد أنقرة وطهران أصلاً علاقة معقدة تشمل خليطاً من التعاون والمنافسة في الشأن العراقي. لكن يبدو الآن أن سورية ستصبح ساحة الصراع الأساسية للعلاقات التركية الإيرانية، ما ينذر باقتراب لحظات عصيبة في الأيام المقبلة.