خالد هنداوي

مع انتقال الصائمين القائمين من محطة الرحمة أول شهر رمضان إلى محطة المغفرة الآن في وسطه حيث يتجلى الله على عباده بتكفير الخطايا ومحو الذنوب ويعيش المحبون أجواء النداوة والطلاوة والحلاوة الإيمانية ويتمتعون بالمناجاة العذبة لمولاهم الكريم الغفور الرحيم، لايزال المشهد السوري مستمراً بمسلسلات الدم الذي يلطخ البلاد والعباد بحيث لم يسلم من حمامه كبير ولا صغير، ولا شيخ ولا امرأة أو طفلة.. وحتى النبات والجماد فقد انتقل المجرمون اليوم من محطة الضرب الأمني والعسكري الذي بدا واضحاً في عشر الرحمة امتداداً لما قبل رمضان بشهور إلى محطة الحرب الفعلية التي صعدتها العصابة الفاشية طبعاً ليس ضد المحتلين الصهاينة لهضبة الجولان ولكن إلى شعبها الأعزل المسالم الذي لم يخرج محتجاً إلا من أجل أن يعيش بحرية وكرامة ومساواة وإصلاح لم يتنسم رائحته منذ عقود، وهكذا يستمر هذا التصعيد في عشر المغفرة على وجه لا يمكن لإنسان أن يحتمله لشدة شراسته وقسوته، وبالطبع فإنه سوف يزداد تمادياً ليتجاوز جميع الحدود ويسرف ما استطاع في ذبح الشعب كما تذبح النعاج، أليس قد جرى الاتفاق مع تركيا على مهلة أسبوعين من أجل الدخول في إصلاحات فعلية اتفق الطرفان عليها، فها قد مضى أسبوع منها فتحت فيه أبواب جهنم ليدخل منها الإصلاح الحربي الذي لم يتورع بهجوماته البربرية أن يقتل ويسحل ويمثل ويعتقل ويصوب ضربات المدافع إلى المآذن والمساجد فيا للعار عندما يرى المرء المسلم وغير المسلم كيف تهوى المآذن بعد القصف المتكرر العنيف فيتحسر على دور العبادة اعتداء واحتقاراً وإغلاقاً للعديد منها حتى لا يسمع صوت الله أكبر فالأذان يغيظهم وهم لا يرون شيئاً أكبر منهم بل ولم يجر أي اعتراض رسمي من الرئيس على ما هتف به العديدون من مؤيديه بغض النظر عن الدوافع بقولهم لا إله إلا بشار، وقول أحدهم بشار ربي وهتاف أحد السوريين في مظاهرة قبل ثلاثة أيام في بيروت تأييداً لبشار: بشار قبل الله نعبده، وذلك في مواجهة مظاهرة معارضة لما يجري ضد الشعب من قتل وذبح كما بثه تليفزيون فرنسا 24 وهنا فإننا نقول لإخواننا الأتراك الذين تفاعلوا مع قضيتنا منذ البداية تفاعل الجيران المخلصين مع جيرانهم: إنكم تعلمون أن المفسد لا يمكن أن يكون مصلحاً وخاصة إذا كان قد دل التاريخ والحقائق على الأرض والقرائن المصاحبة على ذلك سيما أن السنن الكونية تؤكد ذلك وقد قال الله تعالى: (إن الله لا يصلح عمل المفسدين) يونس 81 فلماذا تعطونه الفرصة تلو الفرصة وكلها تحدد بأسبوع وأسبوعين و.... وكم مضى من هذه المدد فهل رأيتم تقدماً فعلياً اللهم إلا بالكلام والأوهام فإن كان ذلك لإقامة الحجة عليهم والاقتراح الأخير هو الفرصة النهائية، أفما كان الأجدر أن تقيد هذه المدة وقبولها بشرط وقف إطلاق النار والقمع الدموي على الشعب المسكين أم نجح هذا اللاعب معكم ليستغل هذه الأيام للقضاء المبرم كما يتوهم على ثورة الشعب الذي وصل إلى محطة اللاعودة مهما كلف الثمن، لأن التوقف عن الاحتجاجات والمظاهرات ما هو إلا خيانة فاقعة لدماء الشهداء والتاريخ معاً من جهة ومن جهة أخرى فماذا تحقق من مطالب الشعب حتى يأوي إلى محطة الراحة، إنه قد ثار ولن يهدأ أبداً دون رحيل هذه العصابة التي لا تعرف الهدوء والرخاء إلا لنفسها ومن يلوذ بها من منتفعين، وإن الثورة وجدت لتبقى مهما طال الزمن وإن شعار الثوار الحقيقي هو ما نطق به فم الزمان عن عمر المختار رحمه الله: نحن لا نستسلم.. ننتصر أو نموت، وإن هؤلاء الأبرار الأطهار من شبابنا الأسدي الحقيقي لا يعولون على أحد في المعونة سواء كان من الدول العربية وجامعتها البئيسة ولا على المجتمع الدولي ولا يرون تأثيراً فعالاً بالعقوبات التي تفرض على الهمجيين، وإن كانوا يعتبرون ذلك مطلوباً.. لأنهم خرجوا منذ البداية بصوت الله أكبر وما ذات الشعارات في الجمع حتى الأخيرة تهتف الله معنا ولن نركع.. لكن الذي يقطع القلب حسرة وأسى إنما هو نفاق هذا المجتمع الدولي الذي يكتفي ويستمر بسلسلة المقاطعات والعقوبات دون أن يصر بقوة وصراحة واضحة على تنحي الرئيس وعصابته فوراً، ودون ذكر أي توجه لما سموه ظلماً وزوراً الإصلاحات لا منهم ولا من المجتمع الدولي وتركيا لأنه لا يفهم أي معنى لهذه المسرحية مع استمرار القمع الوحشي الجهنمي الذي لا يطاق، ولأن مثل الرئيس أوباما والأوروبيين لم يطلبوا مثل هذه التمديدات والفرص أبداً لا في حق زين العابدين بن علي في تونس ولا في حسني مبارك، بل أمروا بعد أيام بتنحي هذا الأخير فوراً نزولاً عند رغبة الشعب كما يدعون، وإذا كان مبارك صديقاً وعميلاً حقيقياً لأمريكا وإسرائيل في المنطقة، فلماذا أسرعوا بإزاحته، ويبقى الأسد هكذا أسداً على شعبه قتلاً وسجناً وتهجيراً ومازالت الأصوات لا تسكت عن طلب الإصلاح، وهي وإن أدانت العنف واتفقت على إنهائه بالكلام فوراً فلا معنى لخطاب الإصلاح أصلاً، قولوا لنا جميعاً إنكم تريدون على وجه الحقيقة أن تطول الفرصة ليتمكن المجرم من سحق الشعب تماماً ثم يكون فرض الأمر الواقع، قولوا لنا إن إسرائيل هي التي تأمركم لأنها تصلي من أجل بقائه، قولوا لنا إن هذا المجتمع العربي والدولي لا قيمة حقيقية لهما ولا مصداقية ولا سيادة وإلا فما الذي يفسر خطب ود هذا النظام ليبقى وبحجة أنه سيصلح، إن عجز الجميع الذي أظن أنه مفتعل ومفبرك ضمن آليات معينة ما هو إلا دلالة واضحة على احتقار الشعوب وعدم الاهتمام بحقوقها ودمائها جدياً، والمراهنة على بقاء الديكتاتور باسم الإصلاح الذي هو كحلم إبليس في الجنة إن هذه الدول الكبرى والعالم العربي والإسلامي لن يكونوا تحت رحمة التاريخ أبداً بتقاعسهم الفعلي وكلامهم الفارغ وغير المؤثر والمخجل غالباً، إن ما جرى أمس الأحد ومايزال مستمراً في تصعيد الهجومات الحربية في سوريا، خاصة في مدينة اللاذقية الساحلية حيث يمكن للصراع الطائفي أن يلعب دوره وللأسف في هذه الحالة فالشعب يقتل لأنه لا يملك السلاح والعصابة تنفرد بضحاياها فمن المسؤول؟ لقد تم الهجوم الحربي بالبوارج البحرية وبالأسلحة الثقيلة على حي الرمل الجنوبي في المدينة وقصفت أربعة بيوت وقتل أكثر من عشرين شهيداً ولم يتمكن الأهالي من سحب أكثر الجثث وأغلقت المساجد عن الصلوات، ولا يجد الأهالي ما يدافعون به عن أنفسهم وأعراضهم، ومع أن ثورة الاحتجاجات سلمية بوجهها العام ولكن لا يستطيع أحد من أهل العلم والفهم والفكر أن يبرروا عدم الدفاع عن النفس والعرض فإنه مفروض بحكم الإسلام وشرائع الدنيا والدين قاطبة والملفت للنظر هو انشقاق أفراد من الجيش للدفاع عن الشعب فحياهم الله وإن ما يجري في اللاذقية اليوم هو ما يجري في سقبا وحمورية في ريف دمشق، حيث اقتحمتا اقتحاماً حربياً، وكذلك قصفت داريا وسقط الشهداء عند التشييع، وهو ما يجري في حمص والقصير في حمام دم رهيب، فهل يبقى الجميع يرقصون على جراحنا أم سننتقل إلى مرحلة جديدة لإيقاف المعاناة، وهل سيقوم أردوغان بالنيابة لتنفيذ وعيده: من دق دق بعد نفاذ صبره؟