نبيل بومنصف

على رغم استعجالها رفع شعار اسقاط الحكومة من اللحظة الاولى لولادتها، لم تكن المعارضة تحلم فعلا بتلقي هدية مبكرة كتلك التي انفجرت قبل يومين داخل البيت الاكثري على خلفية كهربائية محمولة بشبهة سياسية. اذا ان حصر الاضرار للأزمة الناشئة في مقدماتها فقط يكفي للدلالة على فداحتها مع ظهور حكومة في غض العمر ومطالعه كأنها مترهلة تجرجر ذيولها او كأنها بدأت من حيث انتهت الحكومة السابقة التي اسقطتها هذه الاكثرية نفسها. وليس غريبا والحال هذه ان تفرز الازمة متضررين كبيرين هما الرئيس نجيب ميقاتي بحكم موقعه الحكومي والسياسي وظروف توليه للمسؤولية، وquot;حزب اللهquot; بحكم كونه الرافعة الاساسية صاحب المصلحة المتعددة الوجه في استمرار الحكومة وصمودها ومنع انهيارها.
ومع ذلك لا الطابع المباغت للأزمة ولا الحدة الدعائية التي يتبعها بعض اطرافها في ملف شعبوي يشكلان مسوغا واقعيا للمغالاة في التقديرات والتوقعات حيال انهيار وشيك للحكومة. فمهلة الاسبوعين التي اقتطعتها الحكومة لاحتواء الازمة تبدو في بعدها الخلفي بمثابة اختيار للسقوف القصوى التي يمكن ان يذهب اليها طرفا الازمة المباشران قبل ان تضطرهما quot;الحسابات الكبرىquot; السياسية الى الانضواء في تسوية الضرورة. وبتعبير صريح، فان هذه المهلة ستكشف فعلا ما اذا كانت الازمة الكهربائية مبارزة نفوذ او وضع حد للاحجام بين الفريقين العوني والجنبلاطي من ضمن خطوط حمر لا تزال محترمة ومهابة، او انها ستتكشف عن مبارزة اخرى في القفز من سفينة الحكومة بما يعنيه ذلك من ارتطامها بواقع دراماتيكي جديد يهدد بانفراطها.
والحال ان المعطيات الواقعية ترجح كفة الاحتمال الاول حتى اشعار آخر. فالازمة السورية التي تثقل بكل وطأتها على لبنان ولا سيما على الفريق الاكثري المرتبط ارتباطا عضويا بالنظام السوري لم تبلغ مرحلة الانذار الاخير الذي يتيح توقع تفلت مبكر لأي طرف اكثري حاليا من تحالفاته بمغامرة شديدة الخطورة.
تبعا لذلك تغلب الحسابات quot;المركنتيليةquot; الصرفة على هذه الازمة التي قد يتراءى لفريقيها المباشرين انهما قادران على الخروج منها بمكاسب متمددة نحو آفاق انتخابية.
لن يضير الفريق العوني ان يحاصر الحكومة ويشلها حتى اقرار خطة كهربائية ولو بدفتر شروط معدل ومغاير لطموحاته ليعزو الفضل في اقرارها اليه. ولن يضير الفريق الجنبلاطي ان يخرج بصورة ضابط الانفاق ومقوننه وواضع الحدود لجموح فريق يمتلك ثلث الحكومة منفردا ويعيد تاليا اثبات كونه حجر الرحى في مصير الاكثرية المدينة له بالولادة. ولعل في ذلك وحده ابلغ الخلاصات وهي ان اللون الواحد في لبنان لا يستقيم الا بظروف قاهرة موقتة، سواء بحسابات المصالح الداخلية او بانهيارات الارتباطات الاقليمية. فما الفارق الآن بين quot;حكومة وحدة وطنيةquot; وquot;حكومة ممانعةquot; اسقطتها وترنحت قبل ان تقطف ثمار النصرquot;.