خالد الغنامي

يبدو أن جماعة الحزب التي تحكم سورية اليوم لا تقرأ التاريخ ولا الفلسفة ولا تستلهم العبر، لذلك تسير ماضية في خيار الحل العسكري وسحق المتظاهرين السوريين بكل وحشية ودموية، رغم أن سورية كلها قد أطلقت صرخة الرحيل لبشار وفريقه، ورغم أن صوت هذه الصرخة لا يزداد إلا ارتفاعا وكل العالم العربي والإسلامي يؤيدهم في ذلك. يستثنى من ذلك حلفاؤه في لبنان وإيران، وثورة الخميني التي قامت بحجة أنها ستنتصر للمظلوم من الظالم، وها هي اليوم تصطف مع الظلمة بشكل فاضح ومخجل، حيث ترى كل القنوات الفضائية تنقل مشاهد الإجرام في سورية بينما قناة العالم الإيرانية تتجاهل ما يحدث وكأنه لا يحدث. يقول الفيلسوف الألماني الكبير هيغل إن سحق الفرد سحق للدولة، فالدولة ككل تستمد قوتها من الفرد كجزء من هذا الكل والعكس صحيح، فنعود للمشهد السوري فنرى حالة الاغتراب التي يعيشها السوري كفرد وتعيشها سورية كدولة في ظل النظام الحالي والظروف الآنية، والاغتراب عند هيغل هو حالة تمزق وتوسط بين حالين؛ أي أنها حالة انتقالية وليست حالة ثابتة، وهي إعلان عن حال جديدة قادمة. فالاغتراب والتوسط لا يمكن أن يدوما للأبد. لقد اغتر النظام السوري بسحق ثورة حماة في 1982، وظن أن الحالة اليوم هي نفس الحال، وقد كان من الممكن أن يكون هذا التحليل صحيحا لو أن الثورة السورية كانت في مدينة واحدة كما كان حال ثورة الإخوان المسلمين في حماة 1982، لكن الوضع اليوم لا علاقة له بإخوان مسلمين ولا غيرهم، إنها ثورة شعبية اشتعلت في الدولة ككل واندمج فيها كل ألوان الطيف في سورية، وهنا أخطأ نظام بشار عندما ساوى بين الحالتين وظن أن العنف والتذاكي وإنكار الحقائق وتغطية الشمس بغربال هو الحل، فسخر آلته الإعلامية لتوهم الرأي العام أن ما يحدث ليس إلا ممارسة (لشرذمة قليلين وإنهم لنا لغائظون) وأن الأمر لن يتعدى أياما معدودة وينتهي الأمر، بينما هو يعمل في الخفاء لسحق هؤلاء المتظاهرين. ورغم أنه كان في الأشهر الماضية فرصة حقيقية للصلح والتفاوض حول مطالب الشعب، إلا أن الغطرسة والكبر حالتا دون الرؤية وتغطت النظارة الطبية لحكيم العيون بشار الأسد بالغبار، واختار رفاقه السحق فوافقهم، ولم يعلموا للآن أنهم قد وقعوا وختموا وبصموا على سحق سورية الدولة كما نعرفها اليوم.