لندن
لم تغب الجزائر مطلقاً عن دائرة الاهتمام الغربي، والفرنسي على وجه الخصوص، فهي دولة جمعت بين الحسنيين اي النفط والغاز معاً، ويصل دخلها السنوي الى ما يقرب من المئة مليار دولار، وتملك حدوداً مشتركة مع ثورتين شعبيتين، الاولى نجحت في اطاحة نظام ديكتاتوري بوليسي بطريقة سلمية (تونس) والثانية اوشكت على النجاح ولكن من خلال تمرد عسكري مسلح يحظى بمساعدة حلف الناتو ودعمه (ليبيا).
الاهتمام بالجزائر تصاعد في الايام الاخيرة، وبالتحديد منذ لجوء السيدة صفية زوجة الزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي وابنته عائشة، وابنيه هنيبعل ومحمد وابناء وبنات الثلاثة الذين هم جميعاً احفاد العقيد القذافي.
المجلس الوطني الليبي اعتبر، عبر المتحدثين باسمه، ان استضافة الجزائر لهؤلاء، تشكل موقفاً عدوانياً تجاه الثورة والشعب الليبي، وطالب السيد مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس بتسليم هؤلاء فوراً الى السلطات الليبية لتقديمهم الى العدالة.
موقف المجلس الانتقالي الليبي تجاه هذه المسألة بالذات يبدو متشنجاً، فالسيدة صفية القذافي لم تكن رئيسة لاركان الجيش الليبي، وابنتها عائشة لم تكن تتزعم كتيبة مقاتلة تحمل اسمها مثل اشقائها الآخرين خميس والمعتصم، اما شقيقاها محمد وهنيبعل، فلم يرد اسماهما على لائحة المطلوبين للاعتقال من قبل محكمة الجرائم الدولية، فالاول كان يعيش في الظل، ظل والده واشقائه طبعاً، ومنخرطا في اعمال تجارية (شركة الاتصالات الخليوية) والثاني اي هنيبعل فقد ظلت، انشطته محصورة في امرين اولهما التشاجر بعنف مع زوجته وشج رأسها، وثانيهما ضرب خدمه مثلما حدث في جنيف بسويسرا.
ما نريد قوله ان المرحلة المقبلة في ليبيا يجب ان تكون مختلفة جذرياً عن المرحلة السابقة التي امتدت لاكثر من اربعين عاماً من حيث جعل العدالة والشفافية وحكم القانون هي المعيار بعيداً عن النزعات الثأرية وتصفية الحسابات الشخصية.
وربما يفيد التذكير بان قوات الاحتلال الامريكي للعراق لم تعتقل السيدين محمد سعيد الصحاف وزير الاعلام، او الدكتور ناجي صبري الحديثي وزير الخارجية، وسمحت لهما بالمغادرة حيث يقيم السيد الصحاف في ابوظبي حالياً، بينما يقيم الدكتور الحديثي في قطر ويدرس في احدى جامعاتها، وقد احيل الى التقاعد نهاية العام الماضي.
ولا مانع من التذكير ايضاً بان زوجة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ساجدة طلفاح وبناته انتقلن الى كل من سورية والاردن دون ان يعترضهن احد، كما ان السلطات العراقية التي استولت على الحكم في ظل الاحتلال لم تطالب بتسليم اي منهن.
نحن مع تقديم جميع افراد اسرة القذافي الذين تورطوا في جرائم في حق الشعب الليبي، او سلبوا امواله الى العدالة امام محاكم عادلة، يتمتعون فيها بحق الدفاع عن النفس للرد على جميع التهم الموجهة اليهم، ولكن هذه الخطوة تأتي بعد اقامة الحكم الديمقراطي ومؤسساته وانتخاب سلطة تشريعية وتعيين سلطة قضائية مستقلة.
ليبيا تحتاج الى خطوات سريعة تجنبها جميع الاخطاء التي وقع فيها حكام العراق على وجه التحديد، ابرزها ترسيخ مصالحة وطنية ترتكز على روح التسامح، والابتعاد كلياً عن سياسات الاقصاء والثأرية ونوازع الانتقام، ومن المؤسف اننا لا نرى مؤشرات قوية في هذا الاتجاه سواء على صعيد الداخل الليبي، او على صعيد دول الجوار والجزائر منها على وجه الخصوص.
- آخر تحديث :
التعليقات