ظافر محمد العجمي
هل عجزت إيران عن التأثير في نتائج صراعها مع المجتمع الدولي في الخليج العربي فقفزت لبحر العرب والمحيط الهندي والبحر الأحمر لتحقق ما تريد؟
على ضوء تصريح قائد البحرية الإيرانية (30 أغسطس 2011م) من أنه سيتم إرسال الأسطول 15 للبحر الأحمر، يمكن قراءة الخطوة كالتالي:
1- لم يأتِ التحرك البحري من فراغ، ففي الملتقى الأول للقوة البحرية الاستراتيجية في كلية القيادة والأركان في يوليو 2011م أكد ممثل خامئني أن نطاق تحركات إيران البحرية لن يقتصر على الخليج وبحر عمان. لكن ذلك أيضا لم يكن من بنات أفكار المرشد، بل إعادة إحياء لبرنامج من عهد الشاه، فقد أنهت اتفاقية الجزائر 1975م النزاع مع بغداد فتحول الشاه إلى المزيد من طموحاته الزائفة في المحيط الهندي حيث أقام علاقات مع موريشيوس، وساند الصومال ضد إثيوبيا في القرن الإفريقي.
2- أعلن قائد بحرية الحرس الثوري أن الجبهة التي تواجهها إيران مع أميركا تقع في البحر. وبما أن إدامة التماس مع العدو خير سبيل لحرمانه من الحصول على المفاجأة، واستباقا لتبعات مهاجمة إيران لإسقاط حكومة نجاد قامت طهران بإرسال سفنها لجبهات بحرية بعيدة عن أراضيها.
3- نتيجة للربيع العربي وتبعاته تبحث طهران عن دور في تشكيل المعادلة الأمنية القادمة، حيث يرى وزير دفاعها حاجة لإيجاد نظام أمني جديد بعد فشل الأنظمة الأمنية المتأثرة بأميركا، وإن تواجد إيران في البحر الأحمر هو لبلورة النظام الأمني في المنطقة.
4- للخروج من الهوية الشيعية والخليجية المقيدة لها جاء التحرك الإيراني الأخير، فقد سبق أن نجحت مع قوى سنية كحماس والجهاد الإسلامي وحتى القاعدة وسوريا، ولا عائق للنجاح مع السودان وجيبوتي وجزر القمر. ونظرا للأهمية الاستراتيجية للقرن الإفريقي أوجدت موضع قدم في الخرطوم، ثم إريتريا، حيث أصبح ميناء عصب نقطة توقف للسفن والغواصات الإيرانية، بل تدار وتحرس مصفاة النفط هناك من قبل الحرس الثوري.. كما وقع نجاد 5 اتفاقيات تعاون مع جيبوتي، ثم أقامت طهران اتصالات ناجحة مع إثيوبيا وكينيا وأوغندا.
5- لأن الرياض درع مجلس التعاون في وجه التمدد الإيراني، قامت طهران بعملية إحاطة بحرية لها من الغرب، ليضاف إلى خط المواجهة في الشرق بطول 800 ميل.
6- بعد أن خسرت معارك شغب البحرين، والتجسس في الكويت، وتشظي عرين حليفها الأسد، ومحاكمة حزب الله دوليا، وانكفاء الحوثيين، وتعثر المشروع النووي، ثم ألم العقوبات، جدت طهران في البحث عن آفاق جديدة كلاعب مؤثر في الساحة الإقليمية ولو عبر تسهيل تحركات بحرية مشبوهة.
7- رغبة طهران في محاربة القرصنة كما تقول. لكن وجودها في البحر الأحمر يعني استحالة إغلاق الخليج عليها كما فعل البرتغاليون والبريطانيون، مما يجعلها قادرة على إغلاق مضيق هرمز من الخارج.. كما أن وجودها في ميناء عصب على باب المندب، يجعلها قادرة على خنق موانئ البحر الأحمر من بور فؤاد إلى ميناء جازان مرورا بإيلات والعقبة، وجدة.
8- حين تكون طائرات F16 الصهيونية محمية من الكشف الراداري في ظلال جبال زاجروس لقصف المفاعلات الإيرانية، يكون مجمع حيفا للبتروكيماويات في مرمي السفن والغواصات الإيرانية، وتكون طهران قد نجحت في خلق قوة ردع مبتكرة، إلا إن تم تحييدها قبل الغارة.
وقد تكون إمكانية نجاح المشروع البحري الإيراني وإحداث انقلاب في المشهد الاستراتيجي متواضعة، لكن الإرباكات السياسية التي قد يحدثها ستكون ملحوظة وذات تداعيات وتحديات عدة بسبب ردة الفعل في تل أبيب والخليج العربي وإفريقيا والدول الغربية؛ فقد تدفع التحركات الإيرانية إسرائيل لتطبيق استراتيجية نقل المعركة لأرض العدو -أو بحره- وهو الخليج. كما أن القراصنة الذين ستطاردهم إيران هم البحرية الإسرائيلية التي اعترضت نقل أسلحة لحزب الله وسوريا من بندر عباس إلى اللاذقية.. كما لن تنظر الرياض للسفن الإيرانية في الأفق كما لو كانت عبّارة لنقل الحجاج. وستكون الصوفية المتجذرة في إفريقيا عدوا للانتشار العقائدي لإيران فقد صدت حتى الفرق السنية الأخرى. كما سيقود الطموح البحري الإيراني لنفس التبعات التي أسقطت الشاه حيث كانت المصروفات العسكرية 1979م تمتص %10.6 من الإنتاج القومي مقارنه مع %3.9 في فرنسا، واليوم تمتص %8. وكانت الموانئ مكدسة بالبضائع العسكرية المستوردة فيما كان %50 من السكان أميين بالمقارنة مع %34 في تنزانيا.. فهل تغير الوضع كثيرا؟
وهل يؤسس ما يجري وعيا خليجيا حيال قابلية انصياع المجتمع الدولي لإيران لفرض هيمنتها على الخليج بدل خروجها الخطر منه؟ أم نراهن على أن هذا الطموح سيقودها لهذيان العظمة ومصير الشاه؟
التعليقات