محمد جابر الأنصاري و جميل مطر: ليبيا.. بناء الدولة و الوصاية الدولية

ليبيا: إنها مرحلة بناء الدولة!
محمد جابر الأنصاري
الجريدة الكويتية
أجهض انقلاب القذافي عام 1969 مرحلة بناء الدولة في ليبيا، ففي عام 1963 وافق مجلس النواب الليبي على قانون يقضي بدمج ولايات ليبيا الثلاث (طرابلس، برقة، فزان) في دولة مركزية واحدة كانت حتى تاريخه دولة اتحادية بين مقاطعاتها الثلاث طبقاً لقرار الأمم المتحدة عام 1952 بإنشاء ldquo;المملكة الليبية المتحدةrdquo; التي أطاح بها انقلاب القذافي.
وأرجو ألا تأخذ الإخوة الليبيين العزة بالإثم عندما أقول إنه لا توجد دولة موحدة بالمعنى الموضوعي في ليبيا، فهي عبارة عن صحراء ممتدة بين منطقة التحضر المصرية ومنطقة التحضر التونسية. وعلى امتداد الشاطئ الطويل لساحل البحر الأبيض المتوسط الذي تطل عليه الصحراء الليبية، فثمة مدينتان فقط، بالمعنى الحضري والتحضري هما طرابلس وبنغازي.
ومن المفارقات الطريفة أن القذافي قد ألغى ldquo;الدولةrdquo; في ليبيا، وتساءل الباحثون حينئذ هل ثمة ldquo;دولةrdquo; قائمة في ليبيا حتى يلغيها القذافي؟ فقد ldquo;ألغىrdquo; دولة غير موجودة أصلاً، وهذا لا ينطبق على ليبيا وحدها، بل على معظم ldquo;الدولrdquo; العربية، تاريخياً، وقد حاول كاتب هذه السطور في كتاب (تكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القطرية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى 1994) توصيف حالة عربية عامة بتناوله التاريخي لتكوين الدول العربية الحالية.
وخلال حكم القذافي ارتبط اسم ليبيا بمحاولات تحقيق الوحدة العربية ldquo;وإزالةrdquo; الحدود القائمة مع مصر بالذات، كما جرت محاولات مع المغرب وتونس لم تثمرhellip; مما أطلق ldquo;نكتة عربيةrdquo; تقول إن القذافي يحاول ldquo;الوحدةrdquo; معhellip; مالطة! ولكن حقيقة الأمر أن ldquo;الليبيينrdquo; لم يكونوا خلال العقود الأولى من القرن العشرين يسمّون أنفسهم بـrdquo;الليبيينrdquo;، بل كانوا يتسمّوْن بأسماء مناطقهم حتى أثناء نضالهم ضد الاستعمار الإيطالي، فقد كانت بيانات ومقالات المجاهدين تتحدث عن ldquo;الأمة الطرابلسية البرقاويةrdquo;ndash; كما أورد الباحث المصري محمد حسين في كتابه الموثق: ldquo;الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصرrdquo;ndash; وعندما أقامت إيطاليا استعمارها أطلقت على مستعمرتها هناك اسم تريبوليتانا (tripolitana). نسبةً إلى ldquo;طرابلسrdquo;.
ويذكر المؤرخ المستعرب الروسي لوتسكي أن اصطلاح ليبيا نفسه في معناه الحديث قد استعاره الإيطاليون من الجغرافيا القديمة: ldquo;فقد أطلق اليونانيون القدماء اسم ليبيا على شمال إفريقيا قاطبة، بينما استعمل الإيطاليون هذه الكلمة على المقاطعات الواقعة بين تونس ومصر، وهي طرابلس الغرب وبرقة وفزًان، وكان لكل من هذه المقاطعات الثلاث مصير تاريخي خاص بها في القرون الوسطى: إذْ انجذبت برقة إلى مصر، وارتبطت طرابلس الغرب ارتباطاً وثيقاً بتونسhellip;..إلخrdquo;. غير أن: ldquo;تغلغل الأتراك في أنحاء البلاد الداخلية وسعيهم إلى إنزال حامياتهم وقيامهم بجباية الضرائب واجه مقاومة عنيفة من القبائل المحلية التي قامت بانتفاضات متكررةhellip;rdquo; تاريخ الأقطار العربية الحديث، ترجمة عفيف البستانيndash; موسكو دارالتقدم، 1971ndash; ص 364.
هكذا فإن الدولة ldquo;الوطنيةrdquo; الليبية في مرحلتها الحاضرة محصلة تطور تاريخي طويل الأمد نحو التوحيد والوحدة في المساحة الصحراوية الشاسعة، والفاصلة بين مصر وتونس، ونلاحظ، بصفة عامة، أن ldquo;الوطنrdquo; في السياق العربي، تتنازعه قوى متضادة ldquo;دون الوطنيةrdquo; كالقبائل والطوائف والمحالات، وrdquo;فوق الوطنيةrdquo; كالنزعات العامة إلى الوحدة العربية والوحدة الإسلامية، ولابد للوطن أن ldquo;يتحدrdquo; أولاً قبل تحقيق هذه المشروعات ldquo;الوحدويةrdquo; الكبيرة، وليس صحيحا ما يشيعة بعض المثقفين العرب من أن ldquo;العولمةrdquo; قد ألغت الحاجة الى الدولة, نعم, قد تتغير بعض وظائفها لكنها باقية، وهذه ldquo;ثرثرة مقاهيrdquo; يقصد أصحابها إظهار معرفتهم!ويعيش العربي المعاصر في إطار قبليته أو طائفته، ونادراً ما ينتمي إلى ldquo;الوطنrdquo; المتحد، وإن يكن فمن خلال الواقع المعاش، حيث لا بد أن يتداول عملة وطنية ويستخدم في أسفاره جوازاً وطنياً موحداً. وقيام سلطة، سلطة في غاية الاستبداد، لا يعوض عن قيام الدولة؛ دولة بمؤسساتها، تقليدية أم حديثة، قائمة على أسس موضوعية، سواء بقي المتسلط أم رحل، فالسلطة فردية مهما اتخذت من أشكال هيبة، والدولة جماعية، مهما بدت مهلهلة، وفي المصطلحات الأصلية للغة العربية، ثمة إشكالات بشأن المصطلحات السياسية، والمشكلة في الجذور المؤسسة؛ إشكالات تعكس التداخل في معاني تلك المصطلحات وعدم اتضاح معانيها على وجه التحديد، فالدولة في العربية مشتقة من الجذر (د، ا، ل)، أي سقط وتلاشى (ويمكن إثراء موضوع الدولة في المجال العربي بدراسات مقارنة جديدة)، وفي القديم يقولون: دالت لنا الدولة عليهم، أي نازعناهم وغلبناهم. وهي غلبة يمكن أن تتضمن الاستحواذ على أموالهم، فالمال والغلبة احتمالان للصراع في موضوع الدولة، وهي لا تعني الثبات والديمومة كما في المفاهيم الأجنبية، فكلمة state في الإنكليزية، ولها مثيلات في اللغات الأخرى تعني ldquo;الحالة الثابتةrdquo;، أما ldquo;دولةrdquo; في العربية فهي دائلة لا تبقى على حال، والدولة والسلطة في العربية متداخلتان، فيقال ldquo;دولة المأمونrdquo; وrdquo;دولة عمرrdquo;hellip; إلخ. نسبة إلى شخص صاحب السلطة، وفي ذلك خلط لا مفر منه بين السلطة الفردية والدولة التي يفترض أن تكون جماعية، وكانت العرب تسمي الدولة بـrdquo;المملكةrdquo;، لا تقيداً بالنظام الملكي ولكن لأن المملكة في التجارب التاريخية التي أحاطت بالعرب تحمل الكثير من مقومات الدولة. وتعبيرات استخدمت كالدولة الأموية والدولة العباسية والدولة الفاطمية لم تشر إلى تقدم في مفهوم الدولة عند العرب، وقد تجزّأت تلك الدول على كل حال بين عدة كيانات سياسية طوال تاريخها.
غداة الشروع في ممارسة السلطة الليبية الجديدة في الدولة الليبية لصلاحياتها الأساسية، اتضح أنها بحاجة إلى قوة أمن ldquo;لأن الأسلحة منتشرة بين أشخاص وقبائل وعشائر بشكل غير مسبوق. والحاجة إلى قوة أمن كافية من الخارج دليل على رخاوة الدولة، ثم إن قبيلة القائد الثوري عبدالحميد يونس الذي تعرض للقتل لم تكتف بحساب قاتله حسب القانون الثوري بل حسب العرف القبلي، وهذا ما لا ترضاه ولا تقبله أي دولة، وربما كان حماس البداية للسلطة الجديدة حافزا على البدء بنشاط، ولكني أخشى أن يتباطأ البناء بعد ذلك.
في العصر الحديث، عندما تكون هناك مساحة من الأرض لا يمكن أن يستعمرها مستعمر، لأن الزمن تخطى هذا المفهوم, فلا مفر من اعتبار تلك المساحة بمنزلة ldquo;دولةrdquo; تنظم مع ldquo;دولrdquo; العالم الأخرى في سمات عدة، ولكن هذا لا يجعلها دولة بالمعنى الكامل لأنها ldquo;دولةrdquo; ذات مظهر خارجي، لكنها ليست بدولة في الداخل.
يقول فيلسوف التاريخ العربي عبدالرحمن بن خلدون: ldquo;إن الأوطان الكثيرة العصائب، قل أن تستحكم فيها دولةrdquo;ndash; والعصائب هي القبائل والعشائر والإثنيات المختلفة، وفي النظم الحديثة، إذا طبقت، ما يمكن أن يجمع كل هذه المتباينات في كيان شبه موحد، وتشهد ليبيا الجديدة اليوم انبعاثاً لعصائبها التي كانت مضطرة إلى الكمون في ظل سلطة ldquo;الكتاب الأخضرrdquo;.
لكنها سترفع رأسها اليوم، عودةً إلى طبيعتها، بعد أن مزقته وليس من المستحيل، أن يوحد القائد الفذ العصبيات في كيان واحد، كما فعل الملك عبدالعزيز آل سعود، في الجزيرة العربية في زمن صعب، والمرجو أن يمتلك القادة الجدد في ليبيا شيئاً من عبدالعزيز، وهذا ليس محالاً، فالعربي إذا أخلص وعزم يمكنه تحريك الجبال.
ليبيا تعود إلى الوصاية الدولية
جميل مطر
الخليج الإماراتية
كتبت هنا بعد أسابيع من نشوب الثورة عن المفاجأة التي أذهلتنا، متحدثين وناشطين ومراقبين إعلاميين وسياسيين، حين هبط على مصر أفراد تابعون للأمم المتحدة في القاهرة ومعهم تعليمات من نيويورك بسرعة عقد اتفاقات مع الجهة التي تولت مسؤولية الحكم في مصر . عرض هؤلاء الأفراد، وأغلبهم تابع مباشرة، أو مفوض من قبل الأمين العام للأمم المتحدة تقديم خبراتهم في مجال إعادة ldquo;بناء الدولةrdquo; ديمقراطياً واقتصادياً وإدارياً . حدث، في ما أذكر، هياج، وصدرت اتهامات بأن التسريبات للإعلام عن هؤلاء الأفراد ومهماتهم في مصر غير دقيقة، وخرجت أصوات تندد بالهجمة الأجنبية على مصر التي تسعى، ولو بنية طيبة، لتكون مصر المستقبل في الشكل والموضوعتماماً كما تريد أن تراها دول أو عملاء لدول أو لمنظمات دولية . تطور النقاش حول أهمية دور القوى الخارجية وأغراضها في مرحلة رسم خريطة جديدة لمصر، وتسرب إلى قنوات أخرى مثل قناة التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني ومثل قناة المعونات التي تعودت أن تقدمها المؤسسات الدولية، وهي المعونات التي أسهمت في تراجع مكانة مصر الإقليمية وأهدرت سمعة سياستها الخارجية .
قبل أيام قليلة سرب أحد الصحافيين وثيقة أعدها إيان مارتين، أحد كبار مستشاري الأمين العام للأمم المتحدة، في شأن إعادة بناء ليبيا . تقول الوثيقة بصراحة ووضوح إن قرار مجلس الأمن القاضي باتخاذ حلف الناتو ما يلزم لحماية المدنيين في ليبيا سوف يبقى ساري المفعول بعد سقوط نظام القذافي وقيام نظام جديد . بمعنى آخر تقرر الوثيقة أمراً متعارف عليه في دوائر الأمم المتحدة وهو أن حلف الأطلسي سوف يواصل مباشرة عدد من المسؤوليات (مقدمة الوثيقة الفقرة رقم 8) . ويستبعد التقرير تماماً أي دور للاتحاد الإفريقي، بل ويشير إلى أن الثوار يتفادون في خطبهم ترديد عبارةأن ليبيا جزء من إفريقيا .
ويحذر تقرير الخبير البريطاني من وسائط الإعلام غير الحكومية في الشرق الأوسط التي يمكنها أن تحرك الرأي العام نحو توجهات غير تلك التيتسعى ldquo;المنظومةrdquo; الدولية إلى جر ليبيا إليها . ويذيع التقرير أسراراً تتعلق بالعلاقات بين أجهزة الأمم المتحدة المتنافسة، أو المتصارعة، على ممارسة دور في ليبيا، فيقول مارتن مثلاً إنه استشار عدداً منهذه الأجهزة خلال إعداد التقرير وإنه لا حظ أن كلاً من جهاز مكافحة المخدرات وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP ومنظمة الهجرة الدولية وصندوق النقد الدولي، وكلها وغيرها أبدت رغبة في أن يكون لها دور .
وكما تسببت هجمة المنظمة الدولية على مصر في اعقاب نشوب الثورة في هرج وغضب، حدث تطور من نوع آخر، وإن أوسع مدى، حين سربت مصادر داخل المنظمة الدولية وثيقة إيان مارتين قبل أن يعتمدها الأمين العام للأمم المتحدة، ويدور النقاش حالياً في وسائل الإعلام الأمريكية حول مصداقية الأمين العام والجهاز المثير للجدل المختص بالشؤون السياسية والتابع مباشرة للأمين العام، وإن كان يحق له التدخل إلى هذا الحد في شؤون الدول الأعضاءتحت عنوان المساهمة في حل أزمات ما بعد الحروب والنزاعات الداخلية، وهو الجهاز نفسه الذي أثار أزمة سياسية وإعلامية في مصر وما زال يثير أسئلة كثيرة من جانب وفود الدول الأعضاء في المنظمة .
يدافع مسؤولون في الأمم المتحدة بالقول إن المكلفين بإعداد التقرير اتصلوا بأعضاء في المجلس الانتقالي الليبي في قطر، وإن إيان مارتين نفسه توجه إلى الدوحة وناقش هناك مع المسؤولين الليبيين والقطريين اقتراحاته بالنسبة لمستقبل ليبيا حسب رؤيته ورؤية إدارة الشؤون السياسية التابعة لمكتب الأمين العام للأمم المتحدة، بينما تؤكد التسريبات الإعلامية أن مارتين لم يقابل كبار المسؤولين في المجلس الانتقالي في الدوحة إلا يوم 28 أغسطس/آب أي بعد أن كان قد قدم تقريره إلى الأمين العام يوم 22 أغسطس/آب لاعتماده . بمعنى آخر كان التقرير جاهزاً لتوقيع الأمين العام قبل أن يؤخذ رأي وطلبات ورغبات أصحاب الشأن من ممثلي الشعب الليبي .
لا نستبعد، ولا يجوز أن نستبعد، النوايا المتعلقة بالمصالح، وهذه النوايا لا توصف بأنها غير طاهرة وغير صافية وغير نقية، لكنها أوصاف قد تنطبق على بعض أدواتها وأساليبها . وجدنا ذاكرتنا تعود بنا إلى صور فوتوغرافية ldquo;مثيرةrdquo; أذكر منها تحديداً صورة توني بلير في خيمة القذافي في ليبيا وهما متعانقان، وصورة برلسكوني منحنياً يكاد يقبل يد القذافي، أو لعله فعل فعلاً، وصورة ساركوزي وهو يشب على أطراف أصابعه ليحتضن معمر ويقبل وجنتيه . ثم جاءت الوثائق المتسربة من جهاز المخابرات الليبية التي كشفت عن وجوه أخرى في علاقات نظام معمر القذافي ومديره موسى كوسا بالمخابرات الأمريكية والبريطانية .
كان واضحاً أن الغرب في هذه السنوات الأخيرة لم يدع فرصة تمر من دون أن يثبت فيها للقذافي مدى حبه وتقديره له . وأحياناً بالغ الغرب وبسخفشديد حين ساعد ليبيا لتحتل مقعداً متميزاً في منظمة حقوق الإنسان، ولم نسمع عن ضغوط أو إيحاءات تحث القذافي على إدخال إصلاحات . فجأة ومع بشائر الثورة ظهر في بنغازي برنار هنري ليفي الفيلسوف الفرنسي المعروف بتعصبه للصهيونية وrdquo;إسرائيلrdquo; وساركوزي قادماً من ميدان التحرير في القاهرة وقد اكتملت في رأسه فكرة تحريك فرنسا لمصلحة الثوار .
ليبيا حلم أحلام الغرب الساعي إلى إعادة بناء دول بعينها . ثورتها تمثل الاختبار الأساسي لقدرة الحكومات الغربية على صياغة الدولة النموذج في العالم العربي، وتطورات الأمور فيها ومن حولها تثير لدى الكثيرين في الغرب ولدينا تعليقات وأسئلة أورد منها على سبيل المثال:
* أولاً: يقال الآن إن سير التطورات في ليبيا قد يصبح المثال الأمثل للتدخل الأمريكي في الخارج والذي يجب أن يتبناه الفكر الاستراتيجي والعسكري الأمريكي في المستقبل . يقوم هذا النموذج أساساً على مبدأ ldquo;القيادة من الخلفrdquo;، أي أن تترك أمريكا للأطلسي، أو دول بعينها مهمة التدخل العسكري وفقاً لإملاءات أمريكية أو تحت إشراف واشنطن .
* ثانياً: إن الثورة في ليبيا، وليست تونس أو الجزائر أو اليمن، هي التي أطلقت شرارة عملية ldquo;التدوير الثاني للمصالح الغربية في العالم العربيrdquo; . وقعالتدوير الأول عندما قامت حكومة بريطانيا بإعادة هيكلة محمياتهافي الجزيرة العربية قبل أن تعلن انسحابها من شرق السويس . المنظر الحالي لا يختلف كثيراً إلا في العمق والاتساع، فالسباق على ما يسمى بالكعكة الليبية مستعر وإعادة التوزيع أو التشطير قد يتكرر على النمط الذي حدث في العراق عندما طردت قوات الاحتلال المصالح الفرنسية مثل ldquo;شركة توتالrdquo; . المؤكد في ما يبدو هو أن فرنسا لن تقنعفي ليبيا الجديدة بدور الدولة المدعوة للحصول على نصيب وقد تفلح في وضع تعقيدات أمام الصين وروسيا وفي وجه مصالح عربية معينة وربما تركيا .
* ثالثاً: لا شك في أن لثورة تونس الفضل الكبير في تسريع نشوب ثورات عربية أخرى، ومنها ثورة ليبيا، ومع ذلك تحصل الثورة الليبية على اهتمام يفوق ما تحصل عليه الثورات التونسية والمصرية وحتى السورية .
نكتشف الآن أن حلف الأطلسي لديه وثيقة أعدت منذ الأيام الأولى للثورة الليبية وعرفت بوثيقة بروكسل، ثم اكتشفنا أن أطرافاً كثيرة تدخلت منذ اليوم الأول، وأن وثيقة أخرى كانت تعد في نيويورك وتقرر أن حلف الأطلسي لن يغادر ليبيا لسنوات طويلة مقبلة، ونقرأ أن جهات ألمانية غاضبة لأن الأمم المتحدة استبعدت خبيراً ألمانيا في شؤون بناء الأمم . ويتردد أن الاهتمام بليبيا يعود إلى أنها ldquo;الدولة الأبسط تركيباًrdquo; بين الدول العربية الثائرة ، بمعنى أن ليبيا نشأت في الأصل دولة ضعيفة المؤسسات ثم جاءت ثورة القذافي الثقافية فأطاحت بما نشأ منها في العهد الملكي وعهد الوصاية . لذلك ربما شعرت الدول الغربية بأن مهمة بناء دولة جديدة بمقاييس غربية أسهل في ليبيا من بناء دولة جديدة في مصر أو تونس حيث المؤسسات، أقدم وأقوى .