بينة الملحم

من بين المشاهد اللافتة في الثورة السورية الحالية؛ تلك اليافطات المنددة بموقف حزب الله من الثورة السورية. الحزب -الذي تباكى في حرب يوليو (تموز) 2006- على مواقف لم تؤيده في تلك الحرب، هاهو الآن يقوم بالتأييد للنظام البعثي الذي يدير آلة القتل تجاه الشعب السوري الأعزل. لا أدري إن كان حسن نصر الله لا يشاهد مقتل الأطفال الرضّع الذين ماتوا بسبب قطع النظام السوري للكهرباء! ولا أدري إن كانت كل الحساسية التي لدى السيد نصر الله لم تسعفه لذرف دمعةٍ واحدةٍ على المسحوقين في سوريا، بينما يؤيد النظام السوري، بل وتتحدث التقارير عن مددٍ إيراني ومددٍ من حزب الله من خلال انتداب أفرادٍ للمشاركة بقيادة عمليات القمع للمتظاهرين السوريين، لهذا فإن التنديد الذي يقوم به الثوار ضد حزب الله يعبّر عن التحولات التي جاءت بها الثورة السورية من خلال كشفها لأوراق وأهداف حزب الله وغيره من المزايدين على الدول بالمقاومة والدفاع عن الشعوب.

حزب الله يسير عكس الموقف العربي؛ هذه ملاحظة من حقنا أن نطرحها، كيف يتفق حزب الله دائماً مع الموقف الإيراني، بينما لا يستطيع أن يتفق مع المواقف العربية؟! حين دعت الجامعة العربية من خلال 22 دولة إلى quot;وقف إراقة الدماء، وتحكيم العقل قبل فوات الأوانquot; ودعت إلى مبادرةً لوقف نزيف الدماء في سوريا، جاء وزير خارجية حكومة quot;حزب اللهquot; في لبنان عدنان منصور متحدثاً لمحطة quot;النورquot; الإذاعية -والتي يديرها quot;حزب اللهquot;- ليقول: أن: quot;لبنان بجانب سوريا، والحملة المسعورة تعبر عن نفوس مريضة تريد النيل من سورياquot;! يقصد أن لبنان الذي احتلّ حزب الله حكومته هو الذي يقف بجانب النظام السوري؛ ولم يستطع وزير الخارجية منصور أن يندد بأي فعلٍ خاطئ قام به النظام البعثي، وكأن إراقة الدماء -كل الدماء- التي نراها يومياً على الشاشات صارت لدى حزب الله إراقةً مشروعةً، ولا يوجد أي مبررٍ للتنديد بأي روحٍ صعدت إلى بارئها. نعم لقد كشفت أحداث سوريا عن وجه حزب الله. الوهج الذي أخذه في حرب يوليو (تموز) 2006 لم يعد قائماً وحزب الله يدرك ذلك.

يدرك حزب الله أنه نبتة لم تستوعبها الأرض العربية، وذلك بسبب كل المواقف التي أخذها ويأخذها والتي تعارض مصالح الشعوب العربية. يتفرج على الأشلاء والدماء من دون أن يرفّ له جفن. بعد المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بدأ حزب الله يتلمّس طرق النجاة، يبحث عن وسيلةٍ أخرى للهروب في حال حوصر عربياً بعد مواقفه المخجلة مؤخراً، وبعد اتهامه من قبل محكمةٍ دولية باغتيال رفيق الحريري، والدليل على ذلك أنه بدأ يؤسس وجوده في أميركا الجنوبية.

لقد ذكرت صحيفة quot;كورييري ديللا سيراquot; الإيطالية في تقريرٍ حصري أنّ خليّة مكونّة من ثلاثة عناصر من القسم الدوليّ في حزب الله، قد وصلوا إلى كوبا بهدف إقامة خلايا جديدة تتألف من 23 عنصراً من حزب الله وذلك بأمر مباشر من quot;طلال حميةquot; -أحد القادة العسكريين الكبار في الحزب- ويقال إنه المسؤول عن العمليات السريّة في حزب الله. وتابعت الصحيفة الإيطاليّة أنّ القيادي حمية، حصل على مصادقة من الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله لإقامة القاعدة العسكريّة في كوبا، وذلك بحسب الخطة التي وضعها الحزب تحت اسم الملف الكاريبي، والتي خصص لها حزب الله ميزانية ضخمة تصل إلى مليون ونصف مليون دولار.

من خلال تلك المعلومات نفهم أن حزب الله بات نبتةً منبوذة عربياً، فهو حزب اتهمت كوادره بقتل رئيس حكومة عربية وهو quot;رفيق الحريريquot; وتورط في دعم قتل شعبٍ أعزل مثل الشعب السوري، ولا يوجد من يرحّب بالتوجهات المضادة للعرب والتي يحترف قيادتها الحزب من خلال الحكومة المحتلّة والتي جاءت بميقاتي والذي كان من المفترض أن ينأى بنفسه عن رئاستها، فهي حكومة ضرب المصالح العربية، وإدخال إيران إلى لبنان، إنها حكومة quot;الجمهورية الإسلامية في لبنانquot;.

إن إصرار حزب الله على بناء قواعد في أميركا الجنوبية يفسر لنا سرّ خوفه من الحصار الذي يعيشه الآن؛ قوات quot;اليونيفيلquot; لا تسمح له بالعبث بأمن لبنان من خلال التحرّش بإسرائيل، كما لا يسمح له العقلاء في لبنان بأن يجرّهم إلى حربٍ أهلية، ولا تسمح له أيضاً الدول العربية بأن يتدخل في شؤونها، إنه في حال quot;بطالة ميليشيويةquot; لهذا أسس قاعدته في quot;كوباquot; من أجل التحرر من هذا الحصار، وبدء عملياته العسكرية والتي من المؤكد لن تكون في صالح الإنسان... إذا كان من حسنةٍ لموقف حزب الله من الثورة السورية فهي حسنة واحدة: أنه كشف عن أقنعته، وباتت أنيابه الشرسة أكثر حدةً من قبل.