صلاح منتصر

شهد التاريخ عددا من الحكام الذين نكبت بهم شعوبهم وإشتهروا بالجنونrlm;,rlm; ولكن العقيد معمر القذافي تفوق عليهم جميعا ليس فقط من حيث التصرفات والأقوال الغريبة التي كان يمارسها ويقولها. وإنما أيضا الكوميدية التي لا يستطيع أن يصل إليها خيال مؤلف كوميدي. وربما تم الاعلان عن مسرح خاص باسم القذافي يتخصص في عرض خطاباته التي كان يعذب بها شعبة والتي تصلح كبرامج ترفيه تحمل إسم قذافي شو!
من المشاهد المسرحية الحقيقة التي لا أنساها يوم جاء العقيد إلي القاهرة في أغسطس 1990 عقب قيام صدام حسين بجريمة العدوان علي الكويت وإعلانه أنها أصبحت المحافظة رقم 19 التي استعادها العراق. يومها كان العالم لا حديث له إلا عن هذا الحدث عندما قرر القذافي زيارة القاهرة والاجتماع بكبار الكتاب والمفكرين في لقاء تمت الدعوة إليه علي عجل في قصر الجمهورية بالقبة. وكان من بين حضور هذا اللقاء أساتذة كبار مثل أنيس منصور والدكتور لويس عوض والدكتور يوسف إدريس ولطفي الخولي وموسي صبري وإبراهيم سعدة ومكرم محمد وابراهيم نافع وغيرهم. وقد جلسنا في قاعة متواضعة مجاورة لسلالم القصر, ومضي علينا نحو ساعة في الانتظار حتي فكر بعضنا في الانصراف لكن الدكتور أسامة الباز الذي كان مهتما باللقاء ضغط علينا, فالقذافي أول رئيس عربي يزور مصر في ظروف الأزمة الصعبة, وقد عرفنا أن مرافقي العقيد نصبوا له الخيمة التي لم نكن قد عرفنا أن من عادته يصحب معه في كل مكان يذهب اليه ومعه الحراسة الخاصة من النساء والناقه التي تعود اليها أن يشرب لبنها وهي مظاهر لم يعرفها القذافي بالطبع وهو رائد فقير قبل إستيلائه علي السلطة.
وأخيرا أطل علينا العقيد وجلس إلي المائدة المعدة له وبدلا من أن ينظر ناحيتنا في القاعة ويحيينا بكلمة أو إبتسامة أو حتي نظرة, فوجئنا به يرفع رأسه وينظر متأملا في سقف القاعة حتي تصورنا أنه إكتشف شيئا خطيرا...


لقاء مع العقيدrlm;:rlm; طالت نظرات القذافي إلي سقف الحجرة حتي جعلنا بعد فترة نرفع رؤوسنا وننظر إلي هذا السقف الذي جذب اهتمامه, لكننا لم نجد ما يسترعي الإنتباه بينما هو غارق في نظراته وصمته ونحن غارقون في دهشتنا (عرفت فيما بعد أن العقيد تلقي دروسا خاصة من خبراء متخصصين في فن التمثيل وهم الذين دلوه علي طريقة البوزات التي يتبعها في لقاءاته وأهمها أن يرفع رأسه وبشكل مائل إلي اليسار والتطلع إلي بعيد مما يثير حيرة وإهتمام الذين أمامه ويركزون عليه!
بعد فترة تأمل وصمت تام نظر العقيد ناحيتناوتكرم وحن علينا وفتح فمه وكانت أول جملة قالها: إيش تريدون؟ يا الله أخيرا تكلم وهو الذي دعانا ولكن ليسألنا ماذا نريد؟ وكاد يوسف إدريس أن يهب منفجرا فيه ولكن لطفي الخولي المتمرس جذبه من يده ليقف هو ويقول: سيادة الرئيس وقبل ان يكمل لطفي قاطعه القذافي قائلا بحزم: أنا مانا رئيس.. قال لطفي وهو يريد أن يصل إلي المطلوب: سيادة العقيد نريد أن نسمع منك رأيك في الحدث الذي يثير إهتمام العالم العربي والعالم كله ولا شك أنه يثير اهتمامك ونريد أن نسمع رأيك, قال العقيد ـ وانا انقل من نقاط سجلتها ـ إيش تقصد؟ قال لطفي: الكويت المعتدي عليه, بالقطع سيادتكم مهتم بهذا الحدث.

سكت لطفي وصمت العقيد وعاد ينظر إلي السقف محلقا ولف المكان صمت غامض ثم بعد لحظات قال لنا: الحقيقة هذه موضوعات لا تشغلني كثيرا أنا لدي ما هو أهم!


أهم من غزو بلد عربي للكويت وماهو يا سيادة العقيد؟ قال بإعجاب شديد: النظرية الثالثة التي ستحرر العالم وتجعل الشعوب تعيش الديمقراطية, هل تعرفون ماذا تعني الديمقراطية؟ هم ينطوقنها ديموكراسي ليش لأنها تعني ديمومة الكراسي قال ذلك ووقف وهو يشير إلي الكرسي الذي كان يجلس عليه!