يوسف الكويليت

من عاش صراع القطبين والموالين لهما في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، يجد أن الأمم المتحدة كانت ساحة تصفية الحسابات، فقد خلع laquo;خروتشوفraquo; زعيم الحزب الشيوعي السوفيتي نعله ليضرب طاولة الخطابة وموجهاً صفات حادة للمعسكر الرأسمالي، وأحرج كاسترو سلطات أمريكا عندما حاول الخروج عن laquo;بروتوكولاتraquo; حضور مؤتمر الأمم المتحدة ليتجول في إحدى الحدائق ليوقع أجهزة الأمن في ورطة، وقد جرى العديد من الخطابات التي كانت مجرد أدوات للتنفيس من قبل الدول المقهورة، أو من تريد الانتقام من خصومها في قاعدة الهيئة الدولية..

مقر الأمم المتحدة بقعة كونية تملك الحصانة عن أي تدخل للدولة المضيفة، ولذلك لا تستطيع أمريكا منع أشد أعدائها الحضور لنيويورك بدون تأشيرة دخول، وإلا خالفت نظام هذه الهيئة، والرئيس الايراني، سيذهب إلى هناك ليتحدى ويتخطى المألوف العقلي عندما تحيط به أنوار بركة الإمام المنتظر، والتي لا يراها إلا هو، وفق قول سابق له..

الهيئة في اجتماعها القادم سوف تعيش اختباراً حاداً، ليس لأن الواقعة أخطر من حالات الصدام المتوقع والمرعب في الضربات النووية المتبادلة بين المعسكرين الشرقي والغربي، وإنما لأن الفلسطينيين الذين عاشوا الشتات والنبذ، يطالبون بدولتهم على أرضهم، وهذه المرة ستبقى الخصومة من الراعي الأمريكي لإسرائيل، والمتعاطفين معها، وبين دول العالم التي ستقف في صف هذه المطالب ليس من أجل معاداة الطرف الإسرائيلي، وإنما لإقرار حق كفلته الشرائع والقوانين الأممية..

في البداية سيعرض مشروع الدولة الفلسطينية على مجلس الأمن، وقطعاً لن يقره بهذا الطلب لأن أمريكا، وحسب تهديداتها المتقدمة عند انعقاد المجلس، سوف تتخذ laquo;الفيتوraquo; لإسقاطه، وبعدها يجري العرض للأمم المتحدة، وهو الكابوس المخيف لكلا الدولتين، أمريكا وإسرائيل، لأن النتائج ستكون محسومة بالموافقة أو دعم هذه الدولة، وتبعات هذا الأمر، ليس فقط إضافة دولة عضو، بل ما يترتب عليها من التزامات وحماية دولية، أي إن يد إسرائيل سوف تكون قصيرة، وإلا فإن أي تصرف أو مخالفة ستكلفها موقفاً ضاغطاً، وحتى أمريكا، التي نادى بعض غلاتها في مواقف سابقة نقل المقر إلى خارجها، وقطع المعونات والرسوم عنها، وفي أوج قوة الدولة العظمى، قد يجددون هذا المبرر الآن لأن وجودها في نيويورك محرج لها، لكن أمريكا لديها موازنات أخرى، ربما هي الواقع للإبقاء على المنظمة في أرضها..

معارضة أمريكا نتيجة طبيعية، لأنها فشلت أن تتكلم مع إسرائيل بما يخدم السلام، و(أوباما) هو نتاج ما قبله أي ان إسرائيل لها الأولوية في كل شيء، يضاعف ذلك مخافة انتخابه لدورة ثانية، لكن الفلسطينيين الذين طرقوا كل الأبواب، وجدوا نافذة يطلون منها على الأمم المتحدة، وحتى لو جاءت رغبتهم متعارضة، أو شبه مهزومة، فهم طرحوا أمام الرأي العام أهدافهم بشكل واضح، ومن هنا جاءت محاولات الوقوف ضد الفلسطينيين عرض قضيتهم على محفل دولي، والاستعاضة عنها بجوار جديد مع إسرائيل محكوم بالفشل تبعاً لسوابق متكررة..

أمريكا تعرف أن وقوفها ضد حق قانوني لشعب اغتصبت أرضه سيعرضها للاتهام بأنها ضد تقرير مصير الشعوب، ومع التعسف في مواقفها، ومع ذلك فإن ما تخبئه المفاجآت ستظهره الأيام القادمة بكل صوره..