محمد بن هويدن


لقد كان عام 2011 عاماً مليئاً بالأحداث الجوهرية التي مست ومازالت تمس جوهر أنظمة الحكم في العديد من الدول العربية. فقد مثلت الصحوة الشعبية العربية العنوان الأبرز في عام 2011، الذي سُيذكر في التاريخ بأنه كان نقطة تحول أساسية في فكر وحياة المواطن العربي.

ولم تكن الدول الخليجية بعيدة عن تأثير مثل تلك التطورات، فقد عكرت مثل تلك الأحداث صفو الاستقرار في معظم دولها، وما كان منها إلا أن تتعامل معها في سبيل الحفاظ على أمنها واستقرارها. فدول الخليج لم تكن بمنأى عما كان يدور في المنطقة العربية من أحداث، بل أصبحت طرفا فيها لاسيما مع الأحداث غير المأمول حدوثها في البحرين والتي ساعدت على دخول فكر جديد مدجج بتحريض خارجي قوامه الاختلافات الطائفية والمذهبية التي لم تكن هذه المنطقة تعرفها في السابق، مع محاولة بعض الجيران وللأسف الشديد استثماره لزعزعة أمن واستقرار دول كانت دائماً هي النموذج العربي في النجاح التنموي والتسامح الإنساني.

لذلك فإن على دول الخليج العربية أن تتعلم من دروس 2011 من أجل صياغة مستقبل أمنها الداخلي. وهنا لابد من أن نشير إلى عدة نقاط محورية نعتقد أنه لابد أن تعمل من خلالها الدول الخليجية بشكل جدي من أجل صيانة أمنها واستقرارها لمواجهة كل من يحاول أن يضرب منجزها الحضاري.

لابد على دول الخليج العربية أن تعمل أولاً على صياغة عقد اجتماعي جديد في علاقتها مع شعوبها، يكون قوامه تحقيق المواطنة الكاملة لأفراد مجتمعها، بحيث يكون الجميع سواسية في الحقوق والواجبات، وتعمل على نزع فتيل كل ما من شأنه أن يثير الإحساس بعدم المساواة لدى بعض أفراد المجتمع. وعلى الأنظمة الحاكمة في الدول الخليجية أن تقود صياغة هذا العقد، الذي يجب أن يُرسخ العلاقة القائمة بين الأنظمة والشعوب، بحيث تضمن الأنظمة ولاء شعوبها، وتضمن الشعوب المعاملة وفق مفهوم المواطنة.

ولا نعتقد أن في ذلك صعوبة على الإطلاق لأن أسس العلاقة بين الأنظمة والشعوب قائمة منذ القدم، وكل ما نحتاج إليه الآن هو العمل على منع كل ما يمكن أن يعكر صفوها ويبعد كل الظروف التي من شأنها أن تفتح المجال للمغرضين للعمل على إثارتها وتأجيجها؛ فالحل هو في تطبيق أسس المواطنة بين أفراد المجتمع.

ومن جانب آخر فإن دول الخليج العربية بحاجة إلى صياغة تعاون أمني وعسكري جديد يعطي زخما أكبر للعلاقة القائمة فيما بينها. فأحداث العام 2011 أوضحت لدول الخليج العربية أن أمنها مشترك وأن مصلحتها هي في التعاون فيما بينها لردع الأخطار التي تحدق بها ولاسيما تلك التي تؤججها أياد خارجية.

لقد أثبتت أحداث البحرين أن التعاون الأمني والعسكري الخليجي ضرورة ملحة كي لا تنجح الأطراف الخارجية في شق اللحمة الخليجية في منظومة التعاون الخليجي.

فالموقف الخليجي بعد 2011 يجب أن يكون مغايراً عما قبله، بحيث من المفترض أن يعزز التعاون العسكري والأمني الخليجي بشكل مكثف، وأن يصاغ تحالف عسكري خليجي جديد يعطي زخما أكبر للتعاون المشترك بين الدول الخليجية ويتفادى ضعف التعاون القائم وفقاً لمنظومة درع الجزيرة إلى قيام تحالف عسكري خليجي تكون مهمته الدفاع عن أمن واستقرار دول المنطقة الخليجية من التهديدات الخارجية والداخلية ذات البعد الخارجي.

مثل هذه الصياغة الجديدة ضرورية لأنها تعكس حيوية مجلس التعاون الخليجي في التعامل مع التطورات الجارية، ومن شأنها أيضاً إبعاد الشكوك وكل ما يمكن أن يبرز من انتقادات لأي تحرك خليجي لمساعدة دولة خليجية أخرى. فالأمن الخليجي يجب أن يعزز بشكل مشترك، يتخطى وفقاً للمعطيات الراهنة قصور الماضي.

ومن جهة أخرى فإن العمل الخليجي المشترك في مجال تحقيق الاندماج لابد أن يستمر في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتعليمية والصحية والثقافية. فمصلحة دول الخليج في تكاملها ووحدتها وليس في اختلافها وفرقتها. فمنظومة التعاون والتكامل الخليجي لابد أن تُعزز بشكل مستمر، وتعمل على الاستفادة من التجارب الأخرى القائمة في مجال الاندماج كمنظومة الاتحاد الأوربي.

وعلى منظومة مجلس التعاون الخليجي أن تبعد كل ما من شأنه أن يبرز كعراقيل أمام سير اندماجها وتكاملها، فالدول الخليجية الست الأعضاء في المنظومة الخليجية هي أكثر قرباً لتحقيق النجاح في الاندماج فيما بينها من وجود دول أخرى قد تعيق أو تؤجل عمليات الاندماج والتكامل فيما بينها. فالمصلحة الخليجية هي في laquo;الاتحادraquo; كما دعا إليه العاهل السعودي في القمة الخليجية الأخيرة في الرياض؛ لذلك فإن إنجاح الاتحاد قد يلاقي عائقا كبيرا في حال تمدد العقد الخليجي لدول بعيدة عن الدول الست المؤسسة.

وأخيراً على دول مجلس التعاون العمل المشترك لكي تصبح فاعلاً دولياً في شؤون المنطقة لتتمكن من استعادة الدور الخليجي المفقود منذ سقوط العراق في يد إيران. فلا يمكن لدول الخليج أن تبقى مكتوفة اليدين وهي تنظر إلى تراجع الدور العربي لصالح دول أخرى إقليمية غير عربية تحاول استثمار الأوضاع القائمة لصالحها. لقد عكست أحداث 2011 حاجة الدول الخليجية للعب دور فاعل في شؤون المنطقة، وكان ذلك واضحاً من خلال الدور الخليجي في ليبيا والبحرين واليمن، وكذلك دعم استقرار مصر، وأخذ زمام المبادرة نحو الأردن والمغرب.

كل تلك التطورات تحتم على دول الخليج العربية صياغة ليس فقط رؤية خليجية واحدة بل أيضاً العمل على وضع استراتيجية خليجية موحدة لتحفظ أمن واستقرار دول المنطقة وتمكنها من أخذ زمام المبادرة وعدم الاكتفاء بانتظار قدوم الأحداث. ولعل الوقت الراهن هو أفضل الأوقات لدول مجلس التعاون لتعيد التوازن في المنطقة وتدخل كلاعب قوي من خلال تطبيق الواقعية السياسية القائمة على استغلال الظروف لتحقيق مكاسب لها وعدم ترك الفرص تمر مرور الكرام من دون استثمار.

إن العام 2011 ورغم ما يحمله من تحديات لدول منطقة الخليج العربية إلا أنه يحمل في طياته أيضاً فرصاً لدول المنظومة الخليجية كي تعيد قراءة واقعها الداخلي والخارجي وتُصيغ لنفسها دوراً جديداً تستثمر من خلاله قدراتها وطاقاتها، وتحدد بيدها ما تريده لنفسها من مستقبل، فكل التطلعات تتجه نحو دول خليجية أكثر حيوية في 2012 إذا ما تعلمت من دروس أحداث 2011.