عدنان حسين


أمس تأكّد لنا بالدليل القاطع أن رئيس الوزراء نوري المالكي منقطع عمّا حوله، فهو لا يعرف تماماً ما الذي حدث خلال العام المنصرم في العالم العربي، مع أن الذي حدث كان، ولم يزل، يُنقل على الهواء مباشرة من مواقعه على مدار الساعة والدقيقة والثانية.

السيد المالكي قال أمس خلال quot;مهرجان اليوم الخالدquot; الذي أقيم لمناسبة اكتمال انسحاب القوات الأميركية إن quot;لكل نجاح وثورة سُرّاقاًquot;، وان quot;أغلب الثورات في عالمنا العربي والإسلامي تبدأ من الشريحة الإسلامية وبقيادة علماء الدين وتنتهي إلى غيرهمquot;!
كأن المالكي لا يشاهد الفضائيات ولا يستمع إلى الإذاعات ولا يُبحر عبر شبكة الإنترنت، فالجميع يعرف أن ما حصل خلال العام المنصرم هو بالعكس تماماً مما قاله المالكي.. الشباب غير المتأسلم هو الذي بدأ ثورات الربيع العربي بينما قطف ثمارها الإسلاميون.
في تونس التي انطلقت منها الشرارة، لم يكن محمد بوعزيزي زعيماً إسلامياً أو عضواً في جماعة إسلامية. والذين بدأوا الاحتجاجات اثر موته كانوا مثله، لا زعماء إسلاميين ولا أعضاء في جماعات إسلامية، بل إننا لم نر أي زعيم إسلامي يتصدر التظاهرات التي انطلقت لاحقاً وأطاحت بن علي، أو حتى يمشي في صفوفها الأخيرة. ومع هذا فاز حزب النهضة الإسلامية بأغلبية مقاعد البرلمان في أول انتخابات تجري منذ اندلاع الثورة. وحزب النهضة استحق هذا الفوز عن جدارة، فالانتخابات كانت حرة وشفافة، والمكانة التي حصل عليها الحزب في البرلمان هي انعكاس للتصويت الشعبي لصالحه.. انه فوز يستأهله لأنه تحقق عن جدارة.
وفي مصر، كما يعلم الجميع تردّد الإخوان المسلمون والسلفيون في تأييد الحركة الاحتجاجية في ميدان التحرير ولم يلتحقوا بها إلا عندما ظهرت الدلائل القوية على ترك مبارك السلطة. ومع هذا فاز الإخوان والسلفيون في الانتخابات، وهو فوز حققوه عن جدارة أيضاً، يستأهلونه كذلك.
وحتى في ليبيا اشترك الجميع في الانتفاضة، بيد أن الإسلاميين تصدّروا المشهد بفضل الدعم القطري المالي والسياسي والإعلامي الهائل.
وفي ثورتي اليمن وسوريا كان غير الإسلاميين في الطليعة، ومن المؤكد ان الإسلاميين (الإخوان) سيقطفون الثمار بفضل إمكانياتهم المالية الكبيرة والدعم القطري أيضاً.
وهنا في العراق خرج الشباب غير الإسلامي في حركة تطالب بإصلاح النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية والقومية ومكافحة الفساد المالي والإداري وتحقيق الوعود الانتخابية، بيد أن الحكومة، وهي إسلامية في المجمل، بالغت في القسوة باستخدام القوة الغاشمة للقضاء على الحركة السلمية.
فعلى من تقرأ المزامير يا دولة رئيس الوزراء؟
على أية حال لا بدّ من شكر السيد المالكي عما أفصح عنه أمس، فهو بذلك فسّر لنا لماذا اقتصر حضور الاحتفال quot;المركزيquot; أول من أمس بمناسبة استكمال الانسحاب الأميركي على قيادات حزب الدعوة والقيادات الأمنية وجمهور كبير من ممثلي العشائر. يبدو ان رئيس الوزراء لا يعرف أو لا يريد أن يعترف بان في العراق عشرات الأحزاب السياسية غير حزبه، وان أغلبية سكان العراق هم من الأفندية، وبينهم أكاديميون ومثقفون وعلماء وسياسيون وناشطون مدنيون مرموقون.. الفرق إنهم يُحبون وطنهم ويعملون له بصمت، فيما الذين جُلبوا إلى احتفال رئيس الوزراء هم في الغالب ممن كنّا نراهم أو أمثالهم من قبل يقولون الهوسات والشعر الشعبي في حضرة الطاغية صدام! إنهم فقط يبدّلون الاتجاه!