DENNIS ROSS

حتى لو عرضت أميركا والغرب تأمين مظلة نووية، مع وعد ضمني بالقضاء على الإيرانيين في حال شنوا هجوماً، فلن يمنح ذلك دول الشرق الأوسط، بما فيها إسرائيل، شعوراً بالطمأنينة وراحة البال.
أعلن الرئيس باراك أوباما، على غرار الرئيس جورج بوش الابن من قبله، أن تطوير إيران أسلحة نووية غير مقبول، وصعّد أوباما أخيراً لهجته بإعلانه تصميمه على منع الإيرانيين من الحصول على القنبلة.
هل يعني ذلك أن اللجوء إلى القوة لوقف برنامج إيران النووي خطوة حتمية؟ لا، ويجب ألا يصبح كذلك. لا أقول ذلك لأنني أعتقد أن باستطاعتنا التعايش مع دولة إيرانية مسلحة نووياً. لا، لا أعتقد ذلك، فإن نجحت إيران في تطوير سلاح نووي، فسوف تعرض العالم لمخاطر عدة، منها خطر كبير قد يشعل حرباً نووية في الشرق الأوسط.
لنفترض أن إيران طورت سلاحاً نووياً، فلا شك أن كل جيرانها سيسعون إلى الحصول على أسلحة مشابهة بغية التصدي لقوة إيران ونفوذها، كذلك، ستشعر إسرائيل، نظراً إلى إعلان إيران أن هذه الدولة يجب أن تمحى عن الخريطة، ألا مجال للخطأ وأنه لن يتسنى لها أن توجه ضربة ثانية في حال نشبت حرب بينها وبين إيران.
لكن إسرائيل لن تكون الدولة الوحيدة في حالة تأهب مستمرة. فمع غياب القدرة على امتصاص ضربة نووية، ستتبنى كل الدول سياسة ldquo;الإطلاق عند الإنذارrdquo; في منطقة لا تعوزها الأسباب التي قد تشعل الصراع، فضلاً عن أن احتمالات الخطأ فيها كبيرة وشائعة.
لذلك، لا يُعتبر الاحتواء حلاً للخطر النووي الإيراني، حتى عرض تأمين مظلة نووية، مع وعد ضمني بالقضاء على الإيرانيين في حال شنوا هجوماً، لن يمنح دول الشرق الأوسط، بما فيها إسرائيل، شعوراً بالطمأنينة وراحة البال.
يحرز الإيرانيون التقدم في برنامجهم النووي، فقد ذكر التقرير الذي صدر الشهر الماضي عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن الإيرانيين كدسوا نحو 4900 كيلوغرام من اليورانيوم المنخفض التخصيب، أي ما يكفي لصنع ثلاث إلى أربع قنابل في حال خُصِّب هذا اليورانيوم إلى نسب أعلى، كذلك، تملك إيران 6200 جهاز طرد مركزي تعمل في ناتانز منتجةً نحو 125 كيلوغراماً شهرياً، وأقامت إيران أيضاً في منشأتها قرب قم نظامين إضافيين يضم كل منهما 174 جهاز طرد مركزياً، فضلاً عن نظام ثالث يتألف من 64 جهازاً.
صحيح أن معظم اليورانيوم المنخفض التخصيب في إيران يُخصَّب إلى 3.5%، إلا أن الإيرانيين يعملون راهناً على تخصيب بعض هذه المواد إلى نحو 20%، وهذه الخطوة من شأنها أن تقصر الوقت الضروري لإنتاج يورانيوم عالي التخصيب يمكن استعماله في الأسلحة.
رغم هذا التقدم الكبير الذي أحرزته إيران، ثمة أسباب عدة تؤكد لنا أننا نملك الوقت والإمكانات الضرورية لمنع إيران من اكتساب قدرات عسكرية نووية من دون اللجوء إلى أساليب عسكرية: أولاً، لا تملك إيران يورانيوم عالي التخصيب، ولا شك أن مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ناتانز وقم سيُلاحظون أي إشارات إلى تبديل إمدادات أجهزة الطرد المركزي، ما ينذرنا قبل بضعة أشهر أن إيران تخصب اليورانيوم إلى نسب تتيح لها استعماله لأغراض عسكرية.
ثانياً، تواجه إيران مشاكل مستمرة في تطويرها الجيل التالي من أجهزة الطرد المركزي التي تحتاج إليها لتسرع إنتاج اليورانيوم المخصب، وتنجم هذه المشاكل عن الصعوبات التي تواجهها إيران في الحصول على مواد متخصصة بسبب العقوبات المفروضة عليها، فضلاً عن عجز النظام من الناحية التكنولوجية عن إتقان تصميم أجهزة الطرد المركزي الأكثر تطوراً، ومرة أخرى، يستطيع مراقبو الوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال أعمال المراقبة الدورية التي يقومون بها اكتشاف أي أجهزة طرد مركزي متطورة قد توضع قيد العمل.
ثالثاً، تحتاج إيران إلى تحويل اليورانيوم العالي التخصيب إلى سلاح. صحيح أن تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخير يذكر بوضوح أن الإيرانيين كانوا يملكون حتى عام 2003 برنامجاً شاملاً ومتكاملاً لإنتاج سلاح من هذا النوع، لكن جهودهم منذ ذلك الحين صارت محدودة وأقل تنظيماً. قد يشير هذا الواقع إلى أن الإيرانيين يعتقدون على الأرجح أنهم أحرزوا تقدماً كافياً لإنتاج سلاح بسرعة. لكن مئير داغان، الرئيس السابق للموساد الإسرائيلي، لا يشاطرهم هذا الرأي، ولا مصلحة لداغان في التقليل من أهمية الخطر النووي الإيراني، وقد أعلن أن إيران مازالت بحاجة إلى بضع سنوات قبل أن تتمكن من إنتاج قنبلة نووية.
لا تشكل كل هذه الحجج دعوة إلى التراخي والاطمئنان، بل على العكس، يجب أن نبقى يقظين، ونتنبه للدلالات التي تُظهر أن إيران تسير بخطى حثيثة نحو تخصيب اليورانيوم إلى نسب أعلى والتسلح نووياً. كذلك، ينبغي لنا أن نستغل هذه الفترة لنزيد الضغط على إيران.
يُظهر تاريخ الجمهورية الإسلامية نقطة واحدة بوضوح: يؤدي الضغط عليها إلى نتائج إيجابية. يعدّل القادة الإيرانيون سلوكهم كلما شعروا بضرورة ذلك، فعلى سبيل المثال، أدرك آية الله الخميني الكلفة الباهظة لحرب الثماني سنوات بين إيران والعراق، فأنهاها عام 1988، مع أنه شبه ذلك بشرب السم في كأس. كذلك، توقفت سياسة اغتيال المنشقين الإيرانيين في أوروبا في تسعينيات القرن الماضي حين اتضح أن الثمن، الذي شمل عقوبات، أكبر من أن تتحمله إيران.
وفي عام 2003 حين هزمنا الجيش العراقي في غضون ثلاثة أسابيع وظن الإيرانيون أن الحرب التالية ستكون معهم، قبلوا بتعليق عملية التخصيب وقدموا عرضاً مثيراً للاهتمام للتفاوض بشأن برنامجهم النووي ونقاط الخلاف الأخرى.
يشعر القادة الإيرانيون اليوم بالضيق مجدداً، فقد فقدوا مصداقيتهم في المنطقة لأنهم لم يتمكنوا من مجاراة الصحوة العربية، ولأنهم يدعمون نظام الأسد في قتله المدنيين السوريين، كذلك، أصبحوا أكثر عزلة على الصعيد الدولي، وهذا ما يؤكده تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، الذي دعا إيران إلى حماية الشخصيات الدبلوماسية.
علاوة على ذلك، تعاني إيران عقوبات دولية وصفها الرئيس محمود أحمدي نجاد أخيراً بأنها الهجوم الاقتصادي الأقوى الذي واجهته أمة حول العالم، ولا شك أنه يغالي في وصفه هذا، إلا أن كلماته تعكس استياء لم يتجلَّ في خطابه السنة الماضية حين قال إن إيران تسخر من العقوبات.
باتت إيران ضعيفة وهشة، ولا شك أن توحيد الجهود مع الأوروبيين خلال الأشهر القليلة المقبلة والامتناع عن شراء نفط إيران والتعامل مع مصرفها المركزي يزيدان الضغط على القادة الإيرانيين. فستؤدي هذه الخطوات إلى خسارة إيران الكثير من عائداتها وزعزعة عملتها، التي تواجه راهناً وضعاً حرجاً.
ولا شك أن القادة الإيرانيين يعجزون عن تحمل عواقب مماثلة، ويمكن تحقيق هذه الخطوات من دون رفع أسعار النفط إن نُفذت تدريجياً بالتزامن مع تدفق النفط الليبي والعراقي إلى الأسواق وزيادة محدودة في الإنتاج السعودي.
مع تأرجح النظام الإيراني، يمكن لزيادة الضغط عليه أن تدفع بالقادة الإيرانيين مرة أخرى إلى وضع يُضطرون معه إلى البحث عن مخرج، ويجب ألا يتيح هذا المخرج للإيرانيين المجال لامتلاك قدرات عسكرية نووية متى يحلو لهم. يمكنهم أن ينعموا بطاقة نووية مدنية، ولكن يلزم أن يُحرموا من السبل التي تسمح لهم بتحويلها إلى أسلحة نووية.